ismagi
racus

التلميذ بين التوجيه وإعادة التوجيه Orientation Réorientation

ab youssef

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة

التلميذ بين التوجيه وإعادة التوجيه [/color] Orientation / Réorientation[/color]من اعداد: نهاري امبارك، مفتش للتوجيه التربوي
nahari.png

كان تلميذا يفيض حيوية ونشاطا، معتزا بوضعه المدرسي، ومعروفا لدى أساتذته وزملائه بالمرح والدهاء، يعرفه الأساتذة كمسؤل القسم، عن دفتر النصوص والممسحة وورقة الغياب، ينتقل بخفة دم داخل المؤسسة والقسم. تلميذ متميز بذكائه، نشيط، مواظب، مثابر، يهيئ دروسه وينجز واجباته المدرسية. كان يستيقظ باكرا، ولم يسبق له أن تأخر عن مواعيد الدروس، أول من يحضر حجرة الدرس، وآخر من يغادرها. يقوم بكل واجباته كمسئول القسم، يساعد الأساتذة في تدبير شؤون القسم، ساهرا على النظام، حتى تسير العملية التربوية والانضباط على أحسن وجه.
يجزم الأساتذة أنه غير متميز دراسيا، متوسط المردودية المدرسية إلى حد ما، مردوديته المدرسية تتناغم ووضعه الاجتماعي والثقافي الهش، متحدر من أبوين أميين، أب مياوم، وأم ربة بيت، تسهر على تربية إخوان وأخوات له كثر. أبوان غالبا غير عابئين بعمله المدرسي، ومدى تواجده بالمدرسة، ومدى مراجعته دروسه وإنجازه واجباته المنزلية. كان طليقا حرا يساير دراسته، يتابع دراسته تلقائيا وفطريا، ومقدرا واجبه كتلميذ، شعورا منه بمسئوليته المدرسية والعطاء والإنتاج. … ومع ذلك فقدراته المعرفية محدودة ونتائجه مقبولة إلى حد ما، رغم ثناء الأساتذة عليه، إذ لم يشفع له سلوكه المتزن. نتائجه المدرسية جد محدودة، متوازنة بين ما هو أدبي وما هو علمي، ما أدى به إلى حال من الحيرة والتردد، اللذين تملكاه أثناء تعبيره عن رغباته، رغم اتصالاته المتكررة بالمستشار في التوجيه التربوي وأساتذته. لكن أولياء أمره لم يكن أبدا في علمهما ما يجري على الساحة المدرسية والتعليمية من حيث مردوديته المدرسية وتوجهاته واختياراته وقراراته… قرر التوجيه إلى الدراسة الأدبية، وعبر عن ذلك بعد تشاور مع المستشار في التوجيه التربوي وأساتذته. تمر السنة الدراسية بسرعة، اجتاز التلميذ الفروض المحروسة والاختبارات المحلية بارتياح، مسجلا نتائج مقبولة إلى حد ما، وكان يشعر ببعض الصعوبات وهو يجتاز اختبارات الامتحان الموحد الجهوي، وذلك من مادة لأخرى، إلى حد الاستياء والشعور بالخيبة، حين أحس باضطراب ملموس ينال منه، خصوصا بمواد العربية والفرنسية والرياضيات والفيزياء، وكانت النتيجة مطابقة لهذا الإحساس. ترد النتائج جاهزة على المؤسسة التعليمية، في لوائح تنقصها قرارات مجالس الأقسام والتوجيه.
كما ترد بيانات نقط التلاميذ. كانت النتيجة العامة للتلميذ مقبولة إلى حد ما، لكن ضعيفة في الامتحان الموحد الجهوي، وكانت نتائج المواد الأدبية تطابق نتائج المواد العلمية. كانت دهشة التلميذ شديدة حين بلغ إلى علمه أن مجلس القسم والتوجيه قرر توجيهه إلى الدراسة العلمية، ضدا على رغبته، ورغم نتائجه في المواد الأدبية القريبة جدا من نتائجه في المواد العلمية، إذ جميع النقط هزيلة في الامتحان الموحد الجهوي، ولا يمكن التمييز بينها كما، كما يصعب على الأساتذة إصدار أحكام نوعية، ما أربك أعضاء المجلس وزاد حيرتهم: فمن ناحية يتم تسجيل تناقض واضح وتباعد جلي بين معدلات المراقبة المستمرة ومعدلات الامتحان الموحد الجهوي، ومن ناحية أخرى لم تشفع للتلميذ حيويته وسلوكه وانضباطه، ولم يتم اعتبار وضعه التربوي والاجتماعي، فقرار التوجيه يرتبط أيما ارتباط بالنقط والمعدلات وتوجهات ومؤشرات أخرى، بغض النظر عن مختلف الكفاءات والقدرات والتوجهات ودون اعتبار أي معيار معنوي. احتار مجلس القسم، وقرر متذمرا !!!. بلغ التلميذ القرار، توصل ببيان نتائجه، انهار تحت هول صدمة مزدوجة: نتائج هزيلة لم يكن ينتظرها، وقرار توجيه لم يعبر عنه. أجرى اتصالات مع زملائه، تعرف على وضعيتاهم التي يشبه بعضها وضعه، فاستقر نفسيا نسبيا. ركن إلى إجازة العطلة الصيفية، بين توتر وقلق وارتياح أحيانا، وقبول الوضعية ورفضها أحيانا أخرى. عاد إلى وثائق التوجيه الموزعة على التلاميذ خلال السنة الدراسية، وقع نظره على حالات وإمكانات إعادة التوجيه، قرأها مرارا بصوت عال واستوعبها، اتصل بزملائه وتبين له أنه مع انطلاق السنة الدراسية بإمكانه تقديم طلب إعادة التوجيه إلى إدارة المؤسسة التعليمية الثانوية التأهيلية المستقبلة.
ظل التلميذ يعد الأيام بلياليها، تحت وطأة الإحباط والحيرة، وأمام أعين والديه اللذين أحسا بوضعه المرتبك منذ الوهلة الأولى وهما يتابعانه بصمت وفي سر تام. احتار التلميذ في أمره، وظل يلوك الأسباب التي من الممكن أن تكون وراء عدم تلبية مجلس القسم رغبته، وقد أدار في خلده كل الأسباب الممكنة وغير الممكنة، وارتاب وشك في كل الوضعيات، وجال فكره بين نتائج المراقبة المستمرة ونتائج الامتحان الموحد الجهوي، وفكر في السلوك والمواظبة، واستحضر السنة الدراسية على امتداد أيامها، وجال فكره بين الواقع والمتخيل. أجهدته حالة الحيرة والتردد، وطالت وعكرت مزاجه وأثرت على طبعه، إلى درجة التوتر الذي أضحى جليا أمام والديه وإخوانه وزملائه في الحي. وكان ينتظر السنة الدراسية الجديدة بفارغ الصبر. انطلقت السنة الدراسية، وكان سباقا إلى المؤسسة، حيث أحاله الحارس العام على المستشار في التوجيه التربوي طالبا منه بطاقة إعادة التوجيه دون استفسار ودون اهتمامه ببعض الأسئلة.
استلم، في اليوم الموالي، بطاقة إعادة التوجيه من إدارة المؤسسة، بعد تسجيل نفسه وأدائه الواجبات وتسليمه الوثائق المطلوبة إلى الحراسة العامة. عبأ وولي أمره بطاقة إعادة التوجيه، وسلمها إلى الحارس العام وهو يستعطف ويرتجف ملحا على تلبيته رغبته ومتشبثا بها. تم جمع بطاقات إعادة التوجيه، وأحيلت على لجنة إعادة التوجيه، مرفوقة بلوائح التلاميذ الراغبين في تغيير التوجيه مصنفين حسب المستوى والشعبة المرغوب فيها، ومرتبين حسب النتائج المدرسية. التلميذ وافد على مؤسسة ثانوية تأهيلية، لا يعرفه لا الأطر الإدارية ولا التربوية، أعضاء لجنة إعادة التوجيه لا يعرفونه لا تربويا ولا مدرسيا ولا اجتماعيا. تعتمد لجنة إعادة التوجيه طلبا وبيان النتائج الدورية والسنوية، خصوصا السنوية منها، نتائج في أرقام، غالبا، دون ملاحظات ولا تقديرات. تم اختزال تلميذ في ورقة، لا تعكس لا فردا ولا تلميذا ولا توجها. النقط متشابهة إلى حد ما، نقط المواد الأدبية تقترب كثيرا من نقط المواد العلمية إلى حد التطابق، نقط مقبولة في المراقبة المستمرة، ونقط هزيلة في الامتحان الموحد الجهوي. احتار أعضاء لجنة إعادة التوجيه، كما احتار قبل ذلك أعضاء مجلس التوجيه، الحيرة بادية جراء وطأة نقط لا تعكس أي جانبية للتوجيه يمكن اعتمادها لاتخاذ القرار الصائب والمناسب.
يجزم الأساتذة أن نتائج الامتحان الموحد الجهوي تتسم بالواقعية والموضوعية، لهذا يتم اعتمادها، لكن معدلات التلميذ في المواد الأدبية والمواد العلمية ضعيفة، لا تنم عن تحصيل دراسي معين ولا توجه محدد. بدا النقاش غير مؤسس وغير منسجم، الفرق شاسع بين وجهات النظر. بعد أخذ ورد، وقع الاتفاق حول تلبية رغبة التلميذ في ظل غياب مؤشرات علمية وموضوعية، وعدم توفر أي أداة فاصلة تضع حدا للتردد والحيرة، وتمنى مجلس القسم لو أرفقت النتائج المدرسية بنتائج روائز متخصصة ومحددة لتوجه التلميذ بشكل علمي ودقيق، تريح الجميع من مناقشات ومشادات.
أجزم أعضاء لجنة إعادة التوجيه أن تلبية رغبة التلميذ قرار سليم رغم نتاقضه مع قرار مجلس القسم، الذي يخضع لضغوطات معينة وتنتابه هواجس مضمرة. فتلبية رغبة التلميذ تضعه أمام مسئولياته، وتحفزه وتشجعه على المثابرة والتحصيل الدراسي والإنتاج، قد تنسجم مع مشروعه الشخصي الذي يكون قد بلوره وحدد أهدافا لنفسه يود تحقيقها. إنها صورة واقع معيش، ولا تعتبر منفردة من نوعها، قد تكون جماعية، تترجم معاناة التلاميذ بين موقعين متناقضين، وتؤرقهم أياما بلياليها، فنتائج مدرسية تناقض نتائج مدرسية، وقرار يناقض قرارا، والتلميذ تتلاطمه أمواج التجاذب والتنافر، فأحيانا مستقر وأحايين مضطرب، فأي إنتاج يحققه تحت وطأة عدم الاستقرار، وعلى جميع الأصعدة، مدرسيا واجتماعيا…؟ بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
 
عودة
أعلى