لبس : الثانويات المرجعية و مسالك البكالوريا الدولية Bac Prof
عبد اللطيف شعيب - مفتش في التوجيه التربوي
2014
إن المتتبع للشأن التربوي ببلدنا يلاحظ أنه قد وقع خلط لدى عامة الناس بين الثانويات المرجعية و مسالك البكالوريا الدولية . إذ يظن الكثير منهم أن اعتماد هذه الأخيرة بمنظومتنا التربوية مؤخرا، ما هو إلا رجوع بشكل آخر للعمل بفكرة الثانوية المرجعية التي تم حذفها في عهد الوزير السابق. و حتى يزول هذا اللبس و يوضح الأمر أكثر،لا بد من تسليط الضوء على التجربتين معا و مقارنتهما.
لقد تم إحداث الثانويات المرجعية تفعيلا لما هو منصوص عليه بوضوح في البند 123 من الدعامة الحادية عشرة حول " تشجيع التفوق والتجديد والبحث العلمي" من الميثاق الوطني للتربية و التكوين، بإعطاء الضوء الأخضر لسلطات التربية والتكوين للشروع ابتداء من الدخول المدرسي 2000-2001 , في تجربة رائدة لإحداث ثانويات نموذجية يلتحق بها المتفوقون من التلاميذ الحاصلين على دبلوم التعليم الإعدادي, حسب مقاييس تربوية محضة، بهدف إطلاق دينامية الحفز والسباق البناء نحو الجودة والتفوق. ويراعى في ذلك فتح مؤسسة واحدة على الأقل من هذا النوع على صعيد كل جهة, وجعل عدد المؤسسات يتناسب مع العدد الإجمالي لتلاميذ التعليم الثانوي بالجهة. و تلتزم كل مؤسسة ترغب في ذلك وتستجيب لشروط محددة، من حيث الموقع والتجهيز والتأطير, بمقتضى اتفاقية برنامجية دقيقة، بتحقيق أهداف كمية ونوعية مضبوطة في مجال التربية والتكوين، وضمان التفوق للمتخرجين منها.وتلتزم هذه الثانويات بأن تكون مجهزة بداخليات لا تقل قدرتها الإيوائية عن ثلاثين في المائة من مجموع عدد التلاميذ مع إعطاء حق الأسبقية للقاطنين بعيدا عن هذه الثانويات. ويتمتع التلاميذ المنتمون إلى العائلات ذات الدخل المحدود والمتوافرة فيهم شروط الاستحقاق المطلوبة بالإعفاءات المحددة في المادة 174. ويتعين في ضوء تلك التجربة, تدقيق المقاييس والمساطر التي يجب اتباعها والهيئات التي سيخول لها البت في طلبات الاستقلال الذاتي للثانويات مع الحرص على أن تكون هذه الهيئات ذات صبغة شراكية ومستقلة.ويمكن إسقاط هذه الصفة عن المؤسسات التي لا تتمكن من بلوغ هذه الأهداف.و ذلك كله بغية اصطفاء وتشجيع وتوجيه التلاميذ المتميزين للاستفادة من خدماتها.
أما مسالك البكالوريا الدولية بخياراتها الثلاثة ، فقد تم التكتم على تعريفها و الغاية من إحداثها منذ بداية تجريبها حين كانت تتظمن خيار الفرنسية فقط في عهد الوزير السابق حتى لدى المعنيين بها من أطر الاستشارة و التوجيه التربوي الموضوع على عاتقهم توضيحها للتلاميذ و لأوليائهم و للفاعلين التربويين الآخرين. لكن بقراءتنا لما صدر في شأنها كالبلاغ الذي صدر عن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني في بداية شهر يوليوز من هذه السنة، و الذي أتى مباشرة بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة في نفس الموضوع بين وزير التربية الوطنية و التكوين المهني و كل من خوسي دي كارفخال سفير إسبانيا بالمغرب، والقائم بأعمال السفارة البريطانية بالمغرب، ومستشار سفارة إسبانيا بالرباط في التربية وممثل مؤسسة المجلس الثقافي البريطاني بالمغرب بداية شهر يوليوز من هذه السنة سنقترب أكثر لحل طلاسمها و فهم مضامينها ،فقد أشار هذا البلاغ على أنه قد تم إرساء مسلكي إضافيين لللبكالوريا الدولية خياري " الإنجليزية و الإسبانية ". و أفاد كذلك أن الوزارة كانت قد أطلقت السنة الماضية مسلكا دوليا للباكالوريا المغربية - خيار "فرنسية" بالجذع المشترك آداب وعلوم إنسانية والجذع المشترك العلمي على مستوى بعض الثانويات التأهيلية ببعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما قامت هذه السنة بتوسيع هذه التجربة بإحداث هذا المسلك بثانوية تأهيلية عمومية واحدة على الأقل بكل أكاديمية جهوية للتربية والتكوين.
وأضاف البلاغ أن روح هذا الإجراء، الذي يهدف إلى تحسين مستوى تمكن تلميذات وتلاميذ المستوى الثانوي التأهيلي من لغة أجنبية وإعدادهم لولوج التعليم العالي، تنسجم مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، خاصة الدعامة السابعة الخاصة بالتحكم في اللغات الأجنبية والدعامة الثالثة المتعلقة بالسعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي.
وتتميز هذه المسالك، يوضح البلاغ، بالحفاظ على تدريس نفس البرامج المعتمدة من لدن الوزارة مع دعم تعليم وتعلم اللغة الأجنبية المميزة للخيار، من خلال الرفع من حصتها الأسبوعية من جهة واستعمالها بشكل تدريجي كلغة تدريس لبعض المجزوءات والمواد الدراسية من جهة ثانية، وهو ما سيمكن التلميذات والتلاميذ من الحصول على بكالوريا وطنية مغربية بميزة " مسلك دولي-خيار فرنسية أو إنجليزية أو إسبانية".
وتشمل الجذوع المشتركة المحدثة برسم السنة الدراسية 2014-2015 قسمين للجذع المشترك العلمي وللجذع المشترك آداب وعلوم إنسانية بالنسبة لخياري "الانجليزية" و"الإسبانية" موزعة على خيارين، يهم الأول "إنجليزية" بثانوية تأهيلية عمومية واحدة بكل من أكاديمية جهة الرباط سلا زمور زعير وأكاديمية جهة الدار البيضاء الكبرى وأكاديمية جهة طنجة تطوان، أما الثاني فيتعلق بخيار "إسبانية" بثانوية تأهيلية عمومية واحدة بكل من أكاديمية جهة طنجة تطوان وأكاديمية الجهة الشرقية
.
يظهر إذن أن فلسفة إحداث الثانويات المرجعية نابعة بوضوح من مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين ،التي سمتها بالإسم و لم تترك للمشرع الاجتهاد أو التأويل. و تتلخص في إعطاء الفرصة للتلاميذ المتفوقين على مستوى كل جهة لصقل كفاءاتهم و مواهبهم و السمو بمعارفهم و قدراتهم، بأن توفر لهم الوزارة الوصية على القطاع فضاء خاصا بهم، تكاد تنعدم فيه المعيقات، التي من شأنها أن تشغلهم على هذا الرقي و هذا السمو. إذ يقتضي ذلك إنشاء ثانوية تسمى "الثانوية المرجعية"، بكل جهة على حدة من الجهات المتوفرة بالتراب الوطني ، على أساس أن يلحق بها، بعد عملية انتقاء، كل تلاميذ الجهة المتفوقون الراغبون في ذلك، دون تمييز. و توفر بها الداخلية و منحة شهرية لمن لا يقطنون منهم بمدينة تواجد المؤسسة . كما يعين بها نخبة من الأساتذة و الموظفين ، و تحترم فيها المقررات المعمول بها بالمؤسسات الأخرى. كما أنها تعمل بكل القوانين الجاري بها العمل بالمؤسسات العمومية على الصعيد الوطني
.
أما مسالك البكالوريا الدولية، فلا تستمد مرجعيتها من الميثاق الوطني للتربية و التكوين كما يقال عنها،إذ لا يوجد بصريح العبارة شيء يسمى بالمسالك الدولية للبكالوريا المغربية في هذا الميثاق و لا يوجد ما يدعو إلى جعل التعليم ببلدنا يفرق بين المتعلمين على مستوى لغات التدريس ليمشي برجلين، و بسرعتين مختلفتين .لقد كان ذلك القرار كما يتتبع المعنيون بالأمر برغبة من وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني أو من جهات أخرى لا نعلمها من جهة ، و فرنسا و ابريطلنيا و إسبانيا من جهة أخرى. و قد جاء كما سمعنا بهدف تطوير العلاقات الثقافية كما يدعون بين بلدنا و بين هذه الدول . و لقد تم اتخاذ إجراءات اعتمادها دون التشاور، لا مع النقابات العاملة بقطاع التربية الوطنية، و لا مع الجمعيات المهنية ،و لا مع الخبراء في مجال التربية و التكوين.
فرغم أن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني قد اعتمدت لتبرير ما قامت به، على كون ذلك يتماشى مع الدعامتين السابعة والثالثة من الميثاق الوطني للتربية و التكوين المرتبط بالتحكم في اللغات الأجنبية و السعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي . إلا أن ذلك فيه تغليط كبير للرأي الوطني، حيث أن الواقع عكس ذلك ، فما قامت به يضرب في العمق مقتضيات أخرى من الميثاق الوطني للتربية و التكوين التي تركز على تعزيز اللغة العربية بالأساس، حيث ينص البند 110 من الدعامة التاسعة إلى : تحسين تدريس اللغة العربية و استعمالها و إتقان اللغات الأجنبية والتفتح على الأمازيغية على أن اللغة العربية, بمقتضى دستور المملكة المغربية, هي اللغة الرسمية للبلاد, وحيث إن تعزيزها واستعمالها في مختلف مجالات العلم والحياة كان ولا يزال وسيبقى طموحا وطنيا .
فممكن أن نقوي اللغات الأخرى دون أن نسلك الطريق الذي تريد أن تسلكه الوزارة الوصية باعتمادها هذه المسالك . كما أن إرساء هذه المسالك جاء عكس ما يسعى إليه الميثاق في تحقيق تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي، حيث قد يحصل أن يتنكر خريجو هذه المسالك أكثر مما نتوقع إلى محيطهم الاقتصادي الوطني الذين لم يهيئوا بما فيه الكفاية للتناغم معه لغويا ، رغم أن نسبة كبيرة منهم ستجد نفسها مرغمة للارتباط به، لا سيما بعد اتساع دائرة تطبيق هذه المسالك كما هو متوقع .
هذا التوجه أيضا من شأنه أن يجعل الدول التي تعتمد إحدى هذه اللغات الثلاث في نظامها التربوي ، هي من سيستفيد من نخبة تلاميذ وطننا و من زبدة خريجيه ، فبابتعاد هؤلاء الخريجين عن لغتهم الوطنية الأولى سيجدون أنفسهم يرتمون في التكوينات التي تعتمد إحدى تلك اللغات الثلاث و التي ستؤهلهم للعمل أكثر في الدول التي تستعملها ، عوض خدمة اقتصاد بلدهم.
و من ناحية أخرى فإن هذا التوجه الجديد الذي تسعى وزارتنا تطبيقه سيضرب في العمق فكرة المدرسة الوطنية التي تضل مبتغى المثقفين الوطنيين الذين يسعون جاهدين إلى إرسائها . إذ سينقسم أبناء البلد الواحد إلى فئتين متباينتين، فئة سيتم انتقاؤها من بين التلاميذ المتفوقين ليلجوا مسالك البكالوريا الدولية بإحدى خياراتها الثلاثة ، وفئة سوف لا تستفيد من الامتيازات اللغوية التي وفرت للمجموعة الأولى، لا سيما إذا انحصر الاهتمام بتطوير اللغات الأجنبية في إرساء هذه المسالك فقط.
و في الأخير لا بد من أخذ الحذر من المغالطة التي قد تظهر مستقبلا، و المتمثلة من جهة، في أنه قد يُحكم على التلاميذ الذين ولجوا المسالك الدولية بأنهم قد تفوقوا بفضل تلك المسالك ،رغم أنهم كانوا كذلك قبل ولوجهم لها، بحيث أنه قد تم انتقاؤهم من بين التلاميذ المتفوقين . و من جهة أخرى، قد يُحكم على الفئة الثانية من التلاميذ الذين لم يلجوا المسالك الدولية بأنهم غير متفوقين .و قد يُرجع ذلك إلى المسالك غير الدولية التي درسوا بها.و قد تلصق بهم كل الإخفاقات ، و يعلل ذلك بكونهم استمروا في تدريس المواد العلمية باللغة العربية أو غير ذلك ، رغم أنهم كانوا كذلك قبل ذلك، و أن مشكل تعثرهم لا يرتبط بإشكالية لغة التدريس فقط، بل يرتبط بعدة عوائق لا مجال لذكرها الآن .
ختاما أتساءل عن مدى نجاح هذه التجربة التي افتقدت للإجماع الوطني منذ انطلافها ، و أتساءل هل ستلقى نفس المصير الذي عرفته سابقا المسالك تخصص لغات ( الفرنسية الإنجليزية ..) حيث أنها كانت ترمي إلى نفس الأهداف، إلا أن اكتشاف عيوبها من طرف آباء و أولياء، التلاميذ الذين ولجوها ،بعد فوات الأوان، جعلها لم تعد تلق من طرفهم ذلك الدعم الذي عرفته خلال نشأتها،فتم توقيف العمل بها من طرف الوزارة الوصية مع بداية إعادة الهيكلة التي عرفتها منظومتنا التربوية في ماي 2007.
لكن كان ذلك على حساب ضياع الكثير من المال و الكثير من الجهد الذي كان ممكنا أن يخصص لإيجاد حلول واقعية و معقولة لمنظومتنا التربوية ، تهم و ترضي الجميع.
عبد اللطيف شعيب- مفتش في التوجيه التربوي
عبد اللطيف شعيب - مفتش في التوجيه التربوي
2014
إن المتتبع للشأن التربوي ببلدنا يلاحظ أنه قد وقع خلط لدى عامة الناس بين الثانويات المرجعية و مسالك البكالوريا الدولية . إذ يظن الكثير منهم أن اعتماد هذه الأخيرة بمنظومتنا التربوية مؤخرا، ما هو إلا رجوع بشكل آخر للعمل بفكرة الثانوية المرجعية التي تم حذفها في عهد الوزير السابق. و حتى يزول هذا اللبس و يوضح الأمر أكثر،لا بد من تسليط الضوء على التجربتين معا و مقارنتهما.
لقد تم إحداث الثانويات المرجعية تفعيلا لما هو منصوص عليه بوضوح في البند 123 من الدعامة الحادية عشرة حول " تشجيع التفوق والتجديد والبحث العلمي" من الميثاق الوطني للتربية و التكوين، بإعطاء الضوء الأخضر لسلطات التربية والتكوين للشروع ابتداء من الدخول المدرسي 2000-2001 , في تجربة رائدة لإحداث ثانويات نموذجية يلتحق بها المتفوقون من التلاميذ الحاصلين على دبلوم التعليم الإعدادي, حسب مقاييس تربوية محضة، بهدف إطلاق دينامية الحفز والسباق البناء نحو الجودة والتفوق. ويراعى في ذلك فتح مؤسسة واحدة على الأقل من هذا النوع على صعيد كل جهة, وجعل عدد المؤسسات يتناسب مع العدد الإجمالي لتلاميذ التعليم الثانوي بالجهة. و تلتزم كل مؤسسة ترغب في ذلك وتستجيب لشروط محددة، من حيث الموقع والتجهيز والتأطير, بمقتضى اتفاقية برنامجية دقيقة، بتحقيق أهداف كمية ونوعية مضبوطة في مجال التربية والتكوين، وضمان التفوق للمتخرجين منها.وتلتزم هذه الثانويات بأن تكون مجهزة بداخليات لا تقل قدرتها الإيوائية عن ثلاثين في المائة من مجموع عدد التلاميذ مع إعطاء حق الأسبقية للقاطنين بعيدا عن هذه الثانويات. ويتمتع التلاميذ المنتمون إلى العائلات ذات الدخل المحدود والمتوافرة فيهم شروط الاستحقاق المطلوبة بالإعفاءات المحددة في المادة 174. ويتعين في ضوء تلك التجربة, تدقيق المقاييس والمساطر التي يجب اتباعها والهيئات التي سيخول لها البت في طلبات الاستقلال الذاتي للثانويات مع الحرص على أن تكون هذه الهيئات ذات صبغة شراكية ومستقلة.ويمكن إسقاط هذه الصفة عن المؤسسات التي لا تتمكن من بلوغ هذه الأهداف.و ذلك كله بغية اصطفاء وتشجيع وتوجيه التلاميذ المتميزين للاستفادة من خدماتها.
أما مسالك البكالوريا الدولية بخياراتها الثلاثة ، فقد تم التكتم على تعريفها و الغاية من إحداثها منذ بداية تجريبها حين كانت تتظمن خيار الفرنسية فقط في عهد الوزير السابق حتى لدى المعنيين بها من أطر الاستشارة و التوجيه التربوي الموضوع على عاتقهم توضيحها للتلاميذ و لأوليائهم و للفاعلين التربويين الآخرين. لكن بقراءتنا لما صدر في شأنها كالبلاغ الذي صدر عن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني في بداية شهر يوليوز من هذه السنة، و الذي أتى مباشرة بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة في نفس الموضوع بين وزير التربية الوطنية و التكوين المهني و كل من خوسي دي كارفخال سفير إسبانيا بالمغرب، والقائم بأعمال السفارة البريطانية بالمغرب، ومستشار سفارة إسبانيا بالرباط في التربية وممثل مؤسسة المجلس الثقافي البريطاني بالمغرب بداية شهر يوليوز من هذه السنة سنقترب أكثر لحل طلاسمها و فهم مضامينها ،فقد أشار هذا البلاغ على أنه قد تم إرساء مسلكي إضافيين لللبكالوريا الدولية خياري " الإنجليزية و الإسبانية ". و أفاد كذلك أن الوزارة كانت قد أطلقت السنة الماضية مسلكا دوليا للباكالوريا المغربية - خيار "فرنسية" بالجذع المشترك آداب وعلوم إنسانية والجذع المشترك العلمي على مستوى بعض الثانويات التأهيلية ببعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما قامت هذه السنة بتوسيع هذه التجربة بإحداث هذا المسلك بثانوية تأهيلية عمومية واحدة على الأقل بكل أكاديمية جهوية للتربية والتكوين.
وأضاف البلاغ أن روح هذا الإجراء، الذي يهدف إلى تحسين مستوى تمكن تلميذات وتلاميذ المستوى الثانوي التأهيلي من لغة أجنبية وإعدادهم لولوج التعليم العالي، تنسجم مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، خاصة الدعامة السابعة الخاصة بالتحكم في اللغات الأجنبية والدعامة الثالثة المتعلقة بالسعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي.
وتتميز هذه المسالك، يوضح البلاغ، بالحفاظ على تدريس نفس البرامج المعتمدة من لدن الوزارة مع دعم تعليم وتعلم اللغة الأجنبية المميزة للخيار، من خلال الرفع من حصتها الأسبوعية من جهة واستعمالها بشكل تدريجي كلغة تدريس لبعض المجزوءات والمواد الدراسية من جهة ثانية، وهو ما سيمكن التلميذات والتلاميذ من الحصول على بكالوريا وطنية مغربية بميزة " مسلك دولي-خيار فرنسية أو إنجليزية أو إسبانية".
وتشمل الجذوع المشتركة المحدثة برسم السنة الدراسية 2014-2015 قسمين للجذع المشترك العلمي وللجذع المشترك آداب وعلوم إنسانية بالنسبة لخياري "الانجليزية" و"الإسبانية" موزعة على خيارين، يهم الأول "إنجليزية" بثانوية تأهيلية عمومية واحدة بكل من أكاديمية جهة الرباط سلا زمور زعير وأكاديمية جهة الدار البيضاء الكبرى وأكاديمية جهة طنجة تطوان، أما الثاني فيتعلق بخيار "إسبانية" بثانوية تأهيلية عمومية واحدة بكل من أكاديمية جهة طنجة تطوان وأكاديمية الجهة الشرقية
.
يظهر إذن أن فلسفة إحداث الثانويات المرجعية نابعة بوضوح من مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين ،التي سمتها بالإسم و لم تترك للمشرع الاجتهاد أو التأويل. و تتلخص في إعطاء الفرصة للتلاميذ المتفوقين على مستوى كل جهة لصقل كفاءاتهم و مواهبهم و السمو بمعارفهم و قدراتهم، بأن توفر لهم الوزارة الوصية على القطاع فضاء خاصا بهم، تكاد تنعدم فيه المعيقات، التي من شأنها أن تشغلهم على هذا الرقي و هذا السمو. إذ يقتضي ذلك إنشاء ثانوية تسمى "الثانوية المرجعية"، بكل جهة على حدة من الجهات المتوفرة بالتراب الوطني ، على أساس أن يلحق بها، بعد عملية انتقاء، كل تلاميذ الجهة المتفوقون الراغبون في ذلك، دون تمييز. و توفر بها الداخلية و منحة شهرية لمن لا يقطنون منهم بمدينة تواجد المؤسسة . كما يعين بها نخبة من الأساتذة و الموظفين ، و تحترم فيها المقررات المعمول بها بالمؤسسات الأخرى. كما أنها تعمل بكل القوانين الجاري بها العمل بالمؤسسات العمومية على الصعيد الوطني
.
أما مسالك البكالوريا الدولية، فلا تستمد مرجعيتها من الميثاق الوطني للتربية و التكوين كما يقال عنها،إذ لا يوجد بصريح العبارة شيء يسمى بالمسالك الدولية للبكالوريا المغربية في هذا الميثاق و لا يوجد ما يدعو إلى جعل التعليم ببلدنا يفرق بين المتعلمين على مستوى لغات التدريس ليمشي برجلين، و بسرعتين مختلفتين .لقد كان ذلك القرار كما يتتبع المعنيون بالأمر برغبة من وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني أو من جهات أخرى لا نعلمها من جهة ، و فرنسا و ابريطلنيا و إسبانيا من جهة أخرى. و قد جاء كما سمعنا بهدف تطوير العلاقات الثقافية كما يدعون بين بلدنا و بين هذه الدول . و لقد تم اتخاذ إجراءات اعتمادها دون التشاور، لا مع النقابات العاملة بقطاع التربية الوطنية، و لا مع الجمعيات المهنية ،و لا مع الخبراء في مجال التربية و التكوين.
فرغم أن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني قد اعتمدت لتبرير ما قامت به، على كون ذلك يتماشى مع الدعامتين السابعة والثالثة من الميثاق الوطني للتربية و التكوين المرتبط بالتحكم في اللغات الأجنبية و السعي إلى تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي . إلا أن ذلك فيه تغليط كبير للرأي الوطني، حيث أن الواقع عكس ذلك ، فما قامت به يضرب في العمق مقتضيات أخرى من الميثاق الوطني للتربية و التكوين التي تركز على تعزيز اللغة العربية بالأساس، حيث ينص البند 110 من الدعامة التاسعة إلى : تحسين تدريس اللغة العربية و استعمالها و إتقان اللغات الأجنبية والتفتح على الأمازيغية على أن اللغة العربية, بمقتضى دستور المملكة المغربية, هي اللغة الرسمية للبلاد, وحيث إن تعزيزها واستعمالها في مختلف مجالات العلم والحياة كان ولا يزال وسيبقى طموحا وطنيا .
فممكن أن نقوي اللغات الأخرى دون أن نسلك الطريق الذي تريد أن تسلكه الوزارة الوصية باعتمادها هذه المسالك . كما أن إرساء هذه المسالك جاء عكس ما يسعى إليه الميثاق في تحقيق تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي، حيث قد يحصل أن يتنكر خريجو هذه المسالك أكثر مما نتوقع إلى محيطهم الاقتصادي الوطني الذين لم يهيئوا بما فيه الكفاية للتناغم معه لغويا ، رغم أن نسبة كبيرة منهم ستجد نفسها مرغمة للارتباط به، لا سيما بعد اتساع دائرة تطبيق هذه المسالك كما هو متوقع .
هذا التوجه أيضا من شأنه أن يجعل الدول التي تعتمد إحدى هذه اللغات الثلاث في نظامها التربوي ، هي من سيستفيد من نخبة تلاميذ وطننا و من زبدة خريجيه ، فبابتعاد هؤلاء الخريجين عن لغتهم الوطنية الأولى سيجدون أنفسهم يرتمون في التكوينات التي تعتمد إحدى تلك اللغات الثلاث و التي ستؤهلهم للعمل أكثر في الدول التي تستعملها ، عوض خدمة اقتصاد بلدهم.
و من ناحية أخرى فإن هذا التوجه الجديد الذي تسعى وزارتنا تطبيقه سيضرب في العمق فكرة المدرسة الوطنية التي تضل مبتغى المثقفين الوطنيين الذين يسعون جاهدين إلى إرسائها . إذ سينقسم أبناء البلد الواحد إلى فئتين متباينتين، فئة سيتم انتقاؤها من بين التلاميذ المتفوقين ليلجوا مسالك البكالوريا الدولية بإحدى خياراتها الثلاثة ، وفئة سوف لا تستفيد من الامتيازات اللغوية التي وفرت للمجموعة الأولى، لا سيما إذا انحصر الاهتمام بتطوير اللغات الأجنبية في إرساء هذه المسالك فقط.
و في الأخير لا بد من أخذ الحذر من المغالطة التي قد تظهر مستقبلا، و المتمثلة من جهة، في أنه قد يُحكم على التلاميذ الذين ولجوا المسالك الدولية بأنهم قد تفوقوا بفضل تلك المسالك ،رغم أنهم كانوا كذلك قبل ولوجهم لها، بحيث أنه قد تم انتقاؤهم من بين التلاميذ المتفوقين . و من جهة أخرى، قد يُحكم على الفئة الثانية من التلاميذ الذين لم يلجوا المسالك الدولية بأنهم غير متفوقين .و قد يُرجع ذلك إلى المسالك غير الدولية التي درسوا بها.و قد تلصق بهم كل الإخفاقات ، و يعلل ذلك بكونهم استمروا في تدريس المواد العلمية باللغة العربية أو غير ذلك ، رغم أنهم كانوا كذلك قبل ذلك، و أن مشكل تعثرهم لا يرتبط بإشكالية لغة التدريس فقط، بل يرتبط بعدة عوائق لا مجال لذكرها الآن .
ختاما أتساءل عن مدى نجاح هذه التجربة التي افتقدت للإجماع الوطني منذ انطلافها ، و أتساءل هل ستلقى نفس المصير الذي عرفته سابقا المسالك تخصص لغات ( الفرنسية الإنجليزية ..) حيث أنها كانت ترمي إلى نفس الأهداف، إلا أن اكتشاف عيوبها من طرف آباء و أولياء، التلاميذ الذين ولجوها ،بعد فوات الأوان، جعلها لم تعد تلق من طرفهم ذلك الدعم الذي عرفته خلال نشأتها،فتم توقيف العمل بها من طرف الوزارة الوصية مع بداية إعادة الهيكلة التي عرفتها منظومتنا التربوية في ماي 2007.
لكن كان ذلك على حساب ضياع الكثير من المال و الكثير من الجهد الذي كان ممكنا أن يخصص لإيجاد حلول واقعية و معقولة لمنظومتنا التربوية ، تهم و ترضي الجميع.
عبد اللطيف شعيب- مفتش في التوجيه التربوي