حوار مع الباحث والفاعل التربوي/ ذ. عبد العزيز سنهـــجــي
جريدة الأخبار ، ليوم الثلاثاء 23 شتنبر 2014، العدد 572
البرامج والمناهج وانفتاح المؤسسة
جريدة الأخبار ، ليوم الثلاثاء 23 شتنبر 2014، العدد 572
البرامج والمناهج وانفتاح المؤسسة
منذ تجميد العمل ببيداغوجيا الإدماج، تم ترك المجال مفتوحا للمدرسين باعتماد الطرائق البيداغوجية التي يفضلونها، هل ترون أن حرية المدرس في هذا المجال مطلوبة أم ينبغي تعميم بيداغوجيا معينة؟
بالطبع الحرية والإبداع هما القاعدتان الأساسيتان في التعاطي مع الشأن البيداغوجي وكل تقييد أو تنميط للممارسة البيداغوجية هي مصادرة لحق التلميذ في النماء والتطور بوتيرته وإيقاعه الخاص. وعليه المبدأ الذي يجب أن يراعى في كل البيداغوجيات، هو الابتعاد عن الوصفات الجاهزة والحرص على التوظيف المبدع والمنسجم لكل ايجابيات الطرائق البيداغوجية بما يستجيب للفوارق الفردية للمتعلمين و يحقق لهم الارتياح والمتعة، ويجعلهم فاعلين أساسيين في سيرورات بناء تمثلاتهم ومعارفهم ومهاراتهم...وعلى عكس ما ذهبت إليه بعض الآراء التربوية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية بكون بيداغوجيا الإدماج تنمط ممارسة المدرس وتصادر هامشي الإبداع والحرية لديه ، فأنني أرى، ومن خلال ما أتوفر عليه من معلومات حول هذه المقاربة كإطار منهجي لتطبيق بيداغوجيا الكفايات، فإنها مرنة، وتتيح الإبداع وتفتح باب الاجتهاد، في كل مراحلها الأساسية سواء تعلق الأمر بمرحلة استكشاف وتحديد الكفايات المستهدفة أو تملك لتلك الكفايات أو إدماجها والتدريب عليها أوتحويلها وإغنائها قصد مواجهة مختلف السياقات والوضعيات / المشكلة التي قد يصادفها التلاميذ في حياتهم التعليمية أو الاجتماعية بكل ما يتطلبه الأمر من فعالية في إنجاز المهام وأداء الأدوار بغية إعطاء المعنى والوظيفية لمختلف التعلمات. المشكل في تقديري الخاص لم يكن في هذه البيداغوجية التي تبقى في نهاية المطاف وسيلة وليست غاية، وإنما المشكل يتعلق أساسا بكيفيات التنزيل ومنهجية الإرساء والشروط الذاتية والموضوعية الكفيلة بدعم واحتضان هذه المقاربة الجديدة. ولا أتصور أي إصلاح تربوي مستقبلي يمكن أن يتغاضى عن تحديد الملامح العامة للنموذج البيداغوجي الكفيل بتأطير وتوجيه الممارسة البيداغوجية بشكل متبصر ومنسجم مع منطق العصر المتسم بكثرة التحولات على مختلف الأصعدة. وبغض النظر عن المقاربة المتبناة ضمن هذا النموذج المأمول، والتي يجب تحديد إطارها المنهجي العام في أفق تعميمه وطنيا دون الانشغال بالتفاصيل والجزئيات التي قد تربك المدرس وتفقده حس التجديد والإبداع. ففي تقديري المردود المدرسي لا تتحكم فيه فقط المقاربة البيداغوجية مهما كانت وجاهتها وعلميتها، لأن هناك متغيرات أخرى متعلقة بالنسق التعليمي والاجتماعي العام قد تكون حاسمة في النجاح المدرسي سواء تلك المرتبطة بالمعلم أو المتعلم أو الظروف التي تجرى فيها العملية التعليمية أو الشروط السياسية والسوسيواقتصادية والتقافية الداعمة والمحتضنة للفعل التربوي.
البرامج و المناهج هي أهم الأوراش التي يتعين على المجلس الأعلى للتعليم الحسم في فلسفتها، ماهي في نظركم أهم العناصر التي ينبغي مراعاتها في السياسة التعليمية المقبلة على هذا الصعيد؟
إن نظامنا التعليمي الحالي لا يشكو من ضعف التصورات النظرية والفلسفية المؤطرة للبرامج والمناهج التعليمية، وإنما من تعددها وكثرتها وتضاربها وسوء ترصيدها وتنسيقها. والمشكل يكمن أساسا، في هندسة وهيكلة مختلف التراكمات ضمن منهاج تعليمي وطني متكامل من جهة، وفي تطبيقاته وأجرأته ميدانيا من جهة ثانية. وهذا يطرح، في تقديري، ثلاث إشكاليات أساسية: تحيل الأولى على عدم الإدراك العميق بأن فعالية المنهاج التعليمي تتوقف أساسا على اعتماد مقاربة نسقية استراتيجية في هندسة المنظومة التربوية في كل مكوناتها ومستوياتها، بما يتماشى مع السياسة الوطنية في مجال البحث العلمي والتكنولوجي والتحولات المهنية والأولويات الكبرى والأوراش الواعدة التي تطبع الاقتصاد والمستقبل. بينما تتجسد الإشكالية الثانية، في تلك الحلقة التي يجب أن تؤمن الربط بين الجانب النظري والتطبيقي للمنهاج، والمتمثلة أساسا في جهاز التأطير والمراقبة والضبط كجهاز مؤتمن وضامن للتنزيل السليم لمقتضيات المنهاج. في حين تتمظهر الإشكالية الثالثة، في ضعف كفاية التكوين الأساس والمستمر الكفيلين بتجسيد روح المنهاج من طرف الفاعلين التربويين المنفذين للسياسات التربوية.
إن التأسيس لمنهاج وطني متكامل ومندمج في اللحظة التاريخية الراهنة، يتطلب من جميع المؤسسات المشتغلة على قضايا التربية والتعليم استيعاب وتجاوز أعطاب واختلالات الواقع التربوي التعليمي الحالي المشار إليها آنفا، وإعمال مجموعة من المبادئ العامة، كمداخل أساسية موجهة لبناء المنهاج المأمول، والقاضية بإبراز الجوانب الوظيفية والعملية للمنهاج، المرسخة لاستعمال التعلمات في الحياة الاجتماعية للتلميذ، والمستجيبة لحاجات الاندماج في القطاعات المنتجة ولمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن أكبر التحديات التي تواجه السياسة التعليمية اليوم، هو تجسيد المقاربة النوعية في بناء وبلورة منهاج وطني كإطار عام للتفكير والممارسة البيداغوجية، وربح رهان الانتقال من منطق التعليم إلى منطق التعلم، عبر التخلي عن التفكير بما يجب أن نفعل بالتلميذ، وتعويضه برؤية أخرى أكثر دينامية وتفاعلا مع الواقع الاجتماعي تنخرط في البحث عن كيفية إعطاء هذا التلميذ طريقة ومنهجية في بناء تعلماته وقراراته بشكل مسؤول ومستقل ومحفز، ضمن سيرورات تعلمية مرنة ومنفتحة على الحياة، ووفق هندسة بيداغوجية مهيكلة بمنطق الأقطاب أو الحقول معرفية، وفي إطار مناخ تربوي يطبعه التفهم والتنسيق والتعاون والتواصل بين كل المتدخلين والشركاء في الشأن التربوي، أملا في إخراج المدرسة من عزلتها الاجتماعية وتمكينها من آليات التفاعل المنظم والمتواصل مع المجتمع.
كيف تفهمون انفتاح المدرسة على المحيط السوسيواقتصادي؟ أليست هناك حدود معينة لهذه الأطروحة؟
إن أطروحة الانفتاح تنبني على تصور يقوم أساسا على ضرورة تجاوز الوظيفة الضيقة والتقليدية للمؤسسة التعليمية كمكان للتعلم فقط، لتطال وظيفة التأهيل والتنشئة الاجتماعية و الإعداد المهني من خلال إرساء علاقات جديدة داخل وسطها المباشر ومع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وبالتالي، يصبح الانفتاح مسألة حيوية وضرورية تقوم على منظور جديد لعلاقات المدرسة بمحيطها العام، وجزء من مشروع تربوي طموح يراهن على دمج المدرسة في الحياة. ونود أن نؤكد، في هذا السياق، على أن مسألة الانفتاح ليست ذلك الحل الشامل، ومفتاح الفرج للمشاكل التي يمكن أن تتخبط فيها مؤسساتنا التعليمية، بل إنه مفهوم كباقي المفاهيم، ميزته الأساسية أنه غني في مدلوله الإبستيمولوجي من خلال ما يولده من أفكار وتصورات وتدابير ورؤى للتغيير في المجال التربوي، ومشكلته الأساسية تكمن في توجيهه وضبط توازنه: فالمؤسسة التعليمية التي تنفتح بشكل كبير على محيطها، تفقد هويتها وانسجامها وتماسكها وينتهي بها الأمر إلى الذوبان في محيطها، وبالتالي لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يدخل هذا الانفتاح المؤسسة التعليمية في حركية سوسيوتربوية وثقافية زائدة تفقدها رسالتها الإنسانية ووظيفتها الاجتماعية. كما أن الانفتاح الكامل من دون متانة داخلية يؤدي إلى تبدد المؤسسة التعليمية في النظام الأيكولوجي الأوسع منها. أما المؤسسة الشديدة الإنغلاق، فتختنق ولاتتجدد مما يجعلها تتلاشى مع مرور الزمن. من هنا يصبح نمو النظام الحيوي للمؤسسة التعليمية بمقدار قوته وتماسكه الداخلي، من ناحية، وحيوية تفاعله وانفتاحه على إمكانات محيطه الخارجي من ناحية ثانية. وبالتالي، يصبح الانفتاح هنا سلاح ذو حدين، مما يقتضي الحرص على التوجيه الواعي لهذا الانفتاح لخدمة وظائف وأهداف منظومة التربية والتكوين، وذلك من خلال فسح المجال أمام جهات وفعاليات مختلفة، وفق شروط محددة ومتعاقد حولها، لتساهم بما لديها من إمكانات مادية ومعنوية وفكرية في مختلف المناشط والخدمات والمشاريع التي تقدم عليها المؤسسة التعليمية. وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن فكرة انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها ليست فكرة وليدة اليوم وإنما هي قديمة قدم المؤسسة التعليمية نفسها. فيكفي أن نطلع على ما كتب عن بعض المؤسسات القديمة لنتأكد من أنه قليلة هي المؤسسات التي توجد في عزلة تامة عن محيطها و لا تلجأ إلى متدخلين و شركاء للمساهمة في تأهيل و تكوين زبنائها. لكن في اعتقادي أن الشيء الذي عرف تحولا هو مفهوم الانفتاح نفسه، فقد تغير بتغير فلسفات وأولويات الفكر التربوي. حيث انتقل من سياق تربوي تقليدي لم يجعل منه أولوية، إلى سياق آخر أصبح فيه وظيفة من وظائف المؤسسة التعليمية المعاصرة، وتوجها حاضرا في خدماتها وأنشطتها، ومطلبا ضروريا للتعامل مع تحديات ومتطلبات المستقبل. كل هذا يقتضي تصورا متجددا في هندسة مبنى المؤسسة التعليمية ومنهاجها وطرق تسييرها وتدبير قضاياها ومشاريعها التربوية.
أجرى الحوار: الصحفي المصطفى مورادي المسؤول عن الملحق التربوي
بالطبع الحرية والإبداع هما القاعدتان الأساسيتان في التعاطي مع الشأن البيداغوجي وكل تقييد أو تنميط للممارسة البيداغوجية هي مصادرة لحق التلميذ في النماء والتطور بوتيرته وإيقاعه الخاص. وعليه المبدأ الذي يجب أن يراعى في كل البيداغوجيات، هو الابتعاد عن الوصفات الجاهزة والحرص على التوظيف المبدع والمنسجم لكل ايجابيات الطرائق البيداغوجية بما يستجيب للفوارق الفردية للمتعلمين و يحقق لهم الارتياح والمتعة، ويجعلهم فاعلين أساسيين في سيرورات بناء تمثلاتهم ومعارفهم ومهاراتهم...وعلى عكس ما ذهبت إليه بعض الآراء التربوية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية بكون بيداغوجيا الإدماج تنمط ممارسة المدرس وتصادر هامشي الإبداع والحرية لديه ، فأنني أرى، ومن خلال ما أتوفر عليه من معلومات حول هذه المقاربة كإطار منهجي لتطبيق بيداغوجيا الكفايات، فإنها مرنة، وتتيح الإبداع وتفتح باب الاجتهاد، في كل مراحلها الأساسية سواء تعلق الأمر بمرحلة استكشاف وتحديد الكفايات المستهدفة أو تملك لتلك الكفايات أو إدماجها والتدريب عليها أوتحويلها وإغنائها قصد مواجهة مختلف السياقات والوضعيات / المشكلة التي قد يصادفها التلاميذ في حياتهم التعليمية أو الاجتماعية بكل ما يتطلبه الأمر من فعالية في إنجاز المهام وأداء الأدوار بغية إعطاء المعنى والوظيفية لمختلف التعلمات. المشكل في تقديري الخاص لم يكن في هذه البيداغوجية التي تبقى في نهاية المطاف وسيلة وليست غاية، وإنما المشكل يتعلق أساسا بكيفيات التنزيل ومنهجية الإرساء والشروط الذاتية والموضوعية الكفيلة بدعم واحتضان هذه المقاربة الجديدة. ولا أتصور أي إصلاح تربوي مستقبلي يمكن أن يتغاضى عن تحديد الملامح العامة للنموذج البيداغوجي الكفيل بتأطير وتوجيه الممارسة البيداغوجية بشكل متبصر ومنسجم مع منطق العصر المتسم بكثرة التحولات على مختلف الأصعدة. وبغض النظر عن المقاربة المتبناة ضمن هذا النموذج المأمول، والتي يجب تحديد إطارها المنهجي العام في أفق تعميمه وطنيا دون الانشغال بالتفاصيل والجزئيات التي قد تربك المدرس وتفقده حس التجديد والإبداع. ففي تقديري المردود المدرسي لا تتحكم فيه فقط المقاربة البيداغوجية مهما كانت وجاهتها وعلميتها، لأن هناك متغيرات أخرى متعلقة بالنسق التعليمي والاجتماعي العام قد تكون حاسمة في النجاح المدرسي سواء تلك المرتبطة بالمعلم أو المتعلم أو الظروف التي تجرى فيها العملية التعليمية أو الشروط السياسية والسوسيواقتصادية والتقافية الداعمة والمحتضنة للفعل التربوي.
البرامج و المناهج هي أهم الأوراش التي يتعين على المجلس الأعلى للتعليم الحسم في فلسفتها، ماهي في نظركم أهم العناصر التي ينبغي مراعاتها في السياسة التعليمية المقبلة على هذا الصعيد؟
إن نظامنا التعليمي الحالي لا يشكو من ضعف التصورات النظرية والفلسفية المؤطرة للبرامج والمناهج التعليمية، وإنما من تعددها وكثرتها وتضاربها وسوء ترصيدها وتنسيقها. والمشكل يكمن أساسا، في هندسة وهيكلة مختلف التراكمات ضمن منهاج تعليمي وطني متكامل من جهة، وفي تطبيقاته وأجرأته ميدانيا من جهة ثانية. وهذا يطرح، في تقديري، ثلاث إشكاليات أساسية: تحيل الأولى على عدم الإدراك العميق بأن فعالية المنهاج التعليمي تتوقف أساسا على اعتماد مقاربة نسقية استراتيجية في هندسة المنظومة التربوية في كل مكوناتها ومستوياتها، بما يتماشى مع السياسة الوطنية في مجال البحث العلمي والتكنولوجي والتحولات المهنية والأولويات الكبرى والأوراش الواعدة التي تطبع الاقتصاد والمستقبل. بينما تتجسد الإشكالية الثانية، في تلك الحلقة التي يجب أن تؤمن الربط بين الجانب النظري والتطبيقي للمنهاج، والمتمثلة أساسا في جهاز التأطير والمراقبة والضبط كجهاز مؤتمن وضامن للتنزيل السليم لمقتضيات المنهاج. في حين تتمظهر الإشكالية الثالثة، في ضعف كفاية التكوين الأساس والمستمر الكفيلين بتجسيد روح المنهاج من طرف الفاعلين التربويين المنفذين للسياسات التربوية.
إن التأسيس لمنهاج وطني متكامل ومندمج في اللحظة التاريخية الراهنة، يتطلب من جميع المؤسسات المشتغلة على قضايا التربية والتعليم استيعاب وتجاوز أعطاب واختلالات الواقع التربوي التعليمي الحالي المشار إليها آنفا، وإعمال مجموعة من المبادئ العامة، كمداخل أساسية موجهة لبناء المنهاج المأمول، والقاضية بإبراز الجوانب الوظيفية والعملية للمنهاج، المرسخة لاستعمال التعلمات في الحياة الاجتماعية للتلميذ، والمستجيبة لحاجات الاندماج في القطاعات المنتجة ولمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن أكبر التحديات التي تواجه السياسة التعليمية اليوم، هو تجسيد المقاربة النوعية في بناء وبلورة منهاج وطني كإطار عام للتفكير والممارسة البيداغوجية، وربح رهان الانتقال من منطق التعليم إلى منطق التعلم، عبر التخلي عن التفكير بما يجب أن نفعل بالتلميذ، وتعويضه برؤية أخرى أكثر دينامية وتفاعلا مع الواقع الاجتماعي تنخرط في البحث عن كيفية إعطاء هذا التلميذ طريقة ومنهجية في بناء تعلماته وقراراته بشكل مسؤول ومستقل ومحفز، ضمن سيرورات تعلمية مرنة ومنفتحة على الحياة، ووفق هندسة بيداغوجية مهيكلة بمنطق الأقطاب أو الحقول معرفية، وفي إطار مناخ تربوي يطبعه التفهم والتنسيق والتعاون والتواصل بين كل المتدخلين والشركاء في الشأن التربوي، أملا في إخراج المدرسة من عزلتها الاجتماعية وتمكينها من آليات التفاعل المنظم والمتواصل مع المجتمع.
كيف تفهمون انفتاح المدرسة على المحيط السوسيواقتصادي؟ أليست هناك حدود معينة لهذه الأطروحة؟
إن أطروحة الانفتاح تنبني على تصور يقوم أساسا على ضرورة تجاوز الوظيفة الضيقة والتقليدية للمؤسسة التعليمية كمكان للتعلم فقط، لتطال وظيفة التأهيل والتنشئة الاجتماعية و الإعداد المهني من خلال إرساء علاقات جديدة داخل وسطها المباشر ومع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وبالتالي، يصبح الانفتاح مسألة حيوية وضرورية تقوم على منظور جديد لعلاقات المدرسة بمحيطها العام، وجزء من مشروع تربوي طموح يراهن على دمج المدرسة في الحياة. ونود أن نؤكد، في هذا السياق، على أن مسألة الانفتاح ليست ذلك الحل الشامل، ومفتاح الفرج للمشاكل التي يمكن أن تتخبط فيها مؤسساتنا التعليمية، بل إنه مفهوم كباقي المفاهيم، ميزته الأساسية أنه غني في مدلوله الإبستيمولوجي من خلال ما يولده من أفكار وتصورات وتدابير ورؤى للتغيير في المجال التربوي، ومشكلته الأساسية تكمن في توجيهه وضبط توازنه: فالمؤسسة التعليمية التي تنفتح بشكل كبير على محيطها، تفقد هويتها وانسجامها وتماسكها وينتهي بها الأمر إلى الذوبان في محيطها، وبالتالي لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يدخل هذا الانفتاح المؤسسة التعليمية في حركية سوسيوتربوية وثقافية زائدة تفقدها رسالتها الإنسانية ووظيفتها الاجتماعية. كما أن الانفتاح الكامل من دون متانة داخلية يؤدي إلى تبدد المؤسسة التعليمية في النظام الأيكولوجي الأوسع منها. أما المؤسسة الشديدة الإنغلاق، فتختنق ولاتتجدد مما يجعلها تتلاشى مع مرور الزمن. من هنا يصبح نمو النظام الحيوي للمؤسسة التعليمية بمقدار قوته وتماسكه الداخلي، من ناحية، وحيوية تفاعله وانفتاحه على إمكانات محيطه الخارجي من ناحية ثانية. وبالتالي، يصبح الانفتاح هنا سلاح ذو حدين، مما يقتضي الحرص على التوجيه الواعي لهذا الانفتاح لخدمة وظائف وأهداف منظومة التربية والتكوين، وذلك من خلال فسح المجال أمام جهات وفعاليات مختلفة، وفق شروط محددة ومتعاقد حولها، لتساهم بما لديها من إمكانات مادية ومعنوية وفكرية في مختلف المناشط والخدمات والمشاريع التي تقدم عليها المؤسسة التعليمية. وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن فكرة انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها ليست فكرة وليدة اليوم وإنما هي قديمة قدم المؤسسة التعليمية نفسها. فيكفي أن نطلع على ما كتب عن بعض المؤسسات القديمة لنتأكد من أنه قليلة هي المؤسسات التي توجد في عزلة تامة عن محيطها و لا تلجأ إلى متدخلين و شركاء للمساهمة في تأهيل و تكوين زبنائها. لكن في اعتقادي أن الشيء الذي عرف تحولا هو مفهوم الانفتاح نفسه، فقد تغير بتغير فلسفات وأولويات الفكر التربوي. حيث انتقل من سياق تربوي تقليدي لم يجعل منه أولوية، إلى سياق آخر أصبح فيه وظيفة من وظائف المؤسسة التعليمية المعاصرة، وتوجها حاضرا في خدماتها وأنشطتها، ومطلبا ضروريا للتعامل مع تحديات ومتطلبات المستقبل. كل هذا يقتضي تصورا متجددا في هندسة مبنى المؤسسة التعليمية ومنهاجها وطرق تسييرها وتدبير قضاياها ومشاريعها التربوية.
أجرى الحوار: الصحفي المصطفى مورادي المسؤول عن الملحق التربوي