قصة الزي الرسمي لرجال الأمن
Police
الزي الرسمي يضفي على كثير من الرجال هيبة ووقارا، ويجعلهم مواطنين من صنف خاص، يصنفهم في خانة حماة الوطن والمواطنين، منهم من ايتبرأب من زيه ليظهر كأي مواطن مدني، ومنهم من يتباهى به معتزا بنياشينه وقبعته ويفتخر بها. كيف يحصل البوليس على زيهم الرسمي؟ وما هي الشركات التي تصنع البذل الخاصة برجال الأمن؟ وكيف تطور الزي الرسمي منذ عصر الحماية إلى اليوم؟ أسئلة من بين أخرى تجيب عنها "المساء" لتحكي تفاصيل بذلة غير عادية تميز أزيد من 60 ألف رجل بالمغرب عن غيرهم.
مديرية التجهيز والميزانية، بالمديرية العامة للأمن الوطني، والمكلفة بكل ما يخص رجال الأمن بالمغرب من تجهيزات ووسائل لوجيستية وزي رسمي، تصنف كسادس مديرية، بعد مديرية الأمن العمومي، ومديرية الشرطة القضائية، ومديرية الاستعلامات العامة، ومديرية نظم المعلوميات والاتصال والتشخيص ومديرية الموارد البشرية، غير أن أي رجل أمن، من أصغر رتبة إلى أعلاها يعتبرها أهم مديرية، كونها الوحيدة القادرة على السهر على توفير وسائل العمل الضرورية، ابتداء من أوراق المحاضر والبذلات الرسمية التي تسلم لأي شرطي بعد تخرجه من المعهد الملكي للشرطة، وانتهاء بسيارات فارهة لتنقل مسؤولين أمنيين، ووسائل وآليات متطورة تساعد مصالح أمنية معينة في تعقب شبكات دولية مختصة في الاتجار في المخدرات.
مرآب أمن البيضاء
ضابط أمن قال لـ«المساء» إن أي رجل أمن يتوجه كل سنتين أو أقل إلى مرآب معروف بشارع غاندي قريب من إحدى الدوائر الأمنية، لتسلم أربع بذل رسمية دفعة واحدة من حارس أمن يعمل بالمرآب، التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، والذي تتكلف لجنة من مديرية التجهيز والميزانية بتزويده كل سنة بآلاف البذل الرسمية، في حين تتسلم أزياء أمنية قديمة مسخت ألوانها الزرقاء القاتمة، حرارة الشمس الطبيعية، أو تحولت إلى أسمال بالية بعد أن فتك بها الغسيل.
عشرات رجال الأمن يتجهون إلى المرآب لتسلم قبعات ونياشين ومعطف بلاستيكي أبيض يحمل شارة الأمن الوطني، وأربعة سراويل وأربع سترات، اثنتان منها تلبس في الصيف وأخريان تلبسان في الشتاء، أثناء الإعلان عن ضرورة تغيير الزي الرسمي تماشيا مع طبيعة الفصل، في حين يتسلم جل رجال الأمن حذاء واحدا أسود.
رجل الأمن نفسه قال إن آلاف رجال الأمن بالدار البيضاء، لا يمكنهم اختيار البذل على مقاسهم، لأن المرآب غالبا ما يكون ممتلئا عن آخره، إذ يضطر الجميع إلى اختيار بذل بالعين المجردة، ليعمدوا فيما بعد إلى توضيبها على مقاسهم عند خياط مرخص له.
مرآب غاندي بالدار البيضاء، أو المزود الرسمي لرجال أمن العاصمة الاقتصادية بالزي الرسمي الذي يميزهم عن غيرهم، يوجد به أيضا مكان لمتلاشيات سيارات الشرطة، ومكاتب لم تعد صالحة للاستعمال، وأشياء أخرى يجري التصرف فيها، واستبدالها بأخرى جديدة لتزويد مصالح الأمن بها سنويا.
خياط االبوليس
وراء الأزقة الضيقة للمدينة القديمة يوجد خياط معروف، سلعته مختلفة عن باقي الخياطين. فعوض البذل العادية، يضع في واجهة محله الزجاجية قبعات أمنية ونياشين، ومكان السراويل التي تساير آخر صيحات الموضة، يضع سراويل بأشرطة جانبية زرقاء، يبدو وأنها لضباط أمن فصلوها على المقاس.
يقول مفتش شرطة ممتاز لـ«المساء» إن الدار البيضاء يوجد بها أكثر من 5 خياطين مرخص لهم ومعروفين بفصالة أزياء «البوليس» والدرك الملكي، والقوات المسلحة الملكية، يلجأ إلى خدماتهم آلاف رجال الأمن، الذين غالبا ما يتركون الأزياء الرسمية المسلمة لهم من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، ليختاروا خياطهم المفضل، الذي يصفونه بالفنان، والقادر على صناعة بذلة رسمية تناسب مقاس كل شرطي سواء كان ضعيف البنية أو ببنية جسمانية قوية تستدعي ثوبا «أوفر».
المعلومات التي حصلت عليها «المساء» تكشف أن الخياطين المرخص لهم بتصميم أزياء «البوليس» تكلفهم البذلة الواحدة 750 درهما دون احتساب القبعة، التي تكلف 200 درهم للواحدة، والنياشين التي تصنع بمائة درهم.
خياط المدينة القديمة، المعروف لدى آلاف «البوليس» بإبداعه وتمكنه من حرفته، ليس الوحيد بالدار البيضاء، بل هناك آخر بشارع فرنسا القريب من وسط المدينة، والذي يقصده الضباط وعمداء الشرطة، لتصميم بذل رسمية على المقاس.
المصدر الأمني قال إن خياطة البذل الرسمية لرجال الأمن، غالبا ما يتخصص فيها خياطون محترفون يستفيدون من رخص خاصة، لخياطة البذل الرسمية للدرك الملكي ورجال القوات المسلحة الملكية، ورجال الأمن.
صناعة لباس الشرطة
أغلب الحديث الذي يدور بين عشرات رجال الأمن عن الشركات المتخصصة في صناعة الأزياء الرسمية للشرطة، لا يعدو أن يكون حديثا فضفاضا بمعلومات غير مضبوطة، لأن البعض يعتقد أن شركة للجنرال حميدو العنيكري، المدير العام السابق للأمن الوطني، هي من تصنع لباس الشرطة كل سنة إضافة إلى أزياء أخرى خاصة بالدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، وهناك من يعتقد أن أحد المقربين من الجنرال حسني بنسليمان هو صاحب شركة معروفة تربطها عقدة مع المديرية العامة للأمن الوطني، تنص على تسليم عشرات الآلاف من البذل الرسمية كل سنة لمديرية التجهيز.
«المساء» ربطت الاتصال بأكثر من مصدر بالمديرية العامة للأمن الوطني لتسليط الضوء على فاتورة البذلة الرسمية لرجل الأمن مع العلم أن ثمنها يختلف حسب الثوب ورتبة رجل الأمن، غير أننا لم نجد جوابا واضحا، بدعوى أن الاختصاص لمصلحة أخرى، إذ يبدو وكأن الأمر يتعلق بسر من أسرار المديرية العامة للأمن الوطني.
الشركات المكلفة بصناعة لباس الشرطة والدرك الملكي، لا تكتفي بتزويد المديرية العامة للأمن الوطني، والقيادة العليا للدرك الملكي بآلاف البذل كل سنة، بل تصدر أزياء رسمية، لمديريات الشرطة بكل من إسبانيا وفرنسا، في حين تسهر مديرية التجهيز، التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، على تسليم أثواب رفيعة للمسؤولين الأمنيين قصد خياطتها على المقاس عند خياطين معروفين بالدار البيضاء والرباط والقنيطرة.
رجال الأمن بمختلف رتبهم لا يولون أهمية كبرى لأزياء المرائب التابعة لمديرية التجهيز التي يتسلمونها، حتى لا تبقى هناك لأن أغلبهم يلجأ إلى الخياطة، ربما لأنهم يعلمون أن الهندام وحسن مقاسه من شأنه أن ينعكس على نفسية العنصر ويعكس احترام الذات وتقدير الآخرين له.
كيف تطور لباس الشرطة منذ الحماية؟
كان أمن المغاربة قبيل عهد الحماية مقتصرا على المكان الذين يعيشون فيه. كان ما يعرف بـ«المقدمين» الذين يرتدون طرابيش حمراء ومعاطف قصيرة شبه صوفية، وأقمصة طويلة يتوسطها حزام أسود، وسراويل ضيقة من الأسفل، وأحذية إما سوداء أو بيضاء. أما رجال الأمن الذين كانوا يعرفون بـ«مولين دور» والذين كان دورهم يقتصر على إغلاق أبواب المدينة والأبواب التي تفصل الأحياء، فكانوا يلبسون سراويل سوداء فضفاضة، وطرابيش حمراء وأقمصة طويلة مشدودة بأحزمة، دون أن يستغنوا عن العصي أو الهراوات التي كانت تميزهم عن غيرهم.
وفي زمن الفوضى التي كان يعرفها المغرب، لم يكن هناك أمن على الإطلاق، وكانت الجريمة في كل المدن بكل بساطة لا تخضع لأي عقاب يذكر لانعدام جهاز شرطة فعلي وكانت أغلب عمليات السرقة تشمل الماشية.
وبعد أن تأسست الإدارة العامة للأمن الوطني طبقا لظهير 16ماي 1956 الذي ربط مقتضياتها مباشرة بوزارة الداخلية وخولها مهام الإشراف على نظام الأمن العمومي بمختلف مكوناته، فإن الزي تطور تدريجيا، والدراجات الهوائية التي كان يركبها رجال الأمن انقرضت، وأهم ما تغير في لباس الشرطة أنه أصبح لكل فرقة أمنية زيها الخاص بها، وأصبح بإمكان الخياطة أن يحصلوا على رخصة ويفصلوا بذلات على مقاس البنيات الجسمانية لرجال الأمن، الذين لم يكن لديهم خيار غير اللباس المسلم إليهم.
وعكس زي الدرك الملكي، لم يتغير كثيرا زي الأمن الوطني الذي كان قبل 40 سنة أسود لدى بعض الفرق الأمنية ثم تحول إلى أزرق داكن.
وداعا لباس كرواتيا
بعد خلق وحدات جديدة عبارة عن مجموعات حضرية للأمن تدعى شرطة القرب أو ما كان معروفا لدى البيضاويين بـ«كرواتيا»، لم يكتب للتجربة النجاح رغم أنها لم تكمل دورتها الحقيقية.
المديرية العامة للأمن الوطني، لم تجد بدا من تفويت السيارات والدراجات إلى الأجسام الأمنية الأخرى، التي مازالت تشتغل بها إلى حدود الساعة، في حين لم تجد حلا لـ 6000 بذلة كانت مخصصة لشرطة القرب والتي كانت تعتبر مفخرة لشرطة «كرواتيا»، إذ جرى إحراقها حسب رواية مصادر متطابقة، رغم أنها كلفت الإدارة مليارا و800 مليون سنتيم دون الحديث عن متطلبات أخرى أهدرتها مهمة «الكيس» طيلة سنة من عملها.
كانت الدار البيضاء من المدن التي استأثرت بالعدد الأوفر من قوات «كرواتيا»، إذ جرى نشر 1080 فردا بها، متبوعة بولاية الرباط والتي بلغ عدد أفراد «الكيس» بها 554. وبعد تفكيك هذا الجسم، أشرف المدير العام للأمن الوطني السابق، الشرقي اضريس، على إعادة انتشار وتوزيع عناصر الكيس داخل الهيئات الحضرية.
كيف تجهز الدوائر الأمنية بالمغرب؟
دوائر أمنية بجدران آيلة للسقوط أغلقت بقرار من المديرية العامة للأمن الوطني، وأخرى سقوفها تمطر شظايا إسمنتية وكأنها لعنة إلاهية تصيب المشتكين والمتهمين على حد سواء، ضباط أمن يشترون أوراق تحرير المحاضر من مالهم الخاص، مفتشو شرطة يضعون أقفالا لآلات «الداكتيلو» التي انتهى العمل بها منذ عهد الاستعمار، سيارات متهالكة معمرة تتدحرج كسلحفاة عجوز.
من يجهز الدوائر الأمنية بالدارالبيضاء وغيرها؟ كم تخصص المديرية العامة للأمن الوطني لكل ولاية أمن لتجهيز «الكوميساريات»؟ من يقف وراء صفقات التجهيز التي تعقدها مديرية الأمن مع الشركات الخاصة؟
أسئلة من بين أخرى تجيب عنها «المساء» لشرح كيفية تجهيز مصالح البوليس بالمغرب؟
درب غلف صديق البوليس
رغم أن مصلحة الديمومة بشارع عين تاوجطات في حي بوركون بالبيضاء لا تتوفر على هاتف، لتسهيل الاتصال بين الموظفين المكلفين بالديمومة والمصالح الأمنية بمقر الولاية، أو بالدوائر الأخرى العاملة في أماكن أخرى، أو بأسر المعتقلين لإخبارهم بوجود أحد أبنائها تحت الحراسة النظرية، انسجاما مع المسطرة القانونية، فإن العمل هنا يكتسي «بعدا نضاليا»، ثلاثة كراسي خشبية متهالكة، واحد لضابط الشرطة الوحيد بمقر المداومة وآخر لمفتش الشرطة المكلف بتحرير المحاضر، والثالث للمشتكين والمتهمين والضيوف يجلسون عليه بالتناوب، ويمنون النفس بالخروج سريعا من «البيرمانونس».
لم تسع العبارات عز الدين (ضابط شرطة) للتعبير عن شدة الغبن الذي يحس به، ضرب بيده الآلة الكاتبة التي أمامه، والتي ادعى أنه اشتراها من «جوطية» درب غلف من ماله الخاص، كما أشار للأوراق التي بداخلها، وقال إن هذه الأخيرة تأتى من إدارة الأمن قليلة وغير كافية حتى لعشرة أيام، ما يدفع أغلب رجال الأمن إلى تحسس جيوبهم بين الفينة والأخرى لشراء أوراق غالبا ما تتأخر ولاية الأمن بالدار البيضاء في تزويد الدوائر الأمنية بها.
كريم تحدت عن إصلاح آلات «الداكتيلو»، التي كانوا يعملون بها قبل تجهيز الدوائر بالحواسيب، من جيوب رجال الأمن بشكل أسبوعي، وتكلم عن المكاتب المتهالكة، ورائحة مرحاض مصالح الديمومة، التي تجعل العمل داخلها شيئا مستحيلا، وبتنهيدة عميقة، وصمت يعجز الكلام عن وصفه بجرة قلم، أنهى عز الدين كلامه قبل أن تأتي على لسانه عبارة «غير خليها على الله».
داخل االكوميسارية
تضطر بعض الدوائر الأمنية إلى جلب مجموعة من الكراسي القديمة من المتلاشيات التي يتم الاستغناء عنها من طرف الإدارات العمومية، لأن عدد المكاتب لا يوازي عدد الكراسي التي توفرها المديرية العامة للأمن الوطني، وقد يقتني رجل الأمن الحاسوب أو آلة الرقن من ماله الخاص، كما يضع عليها قفلا حتى لا يستعملها بقية زملائه، ولا تخضع الدوائر الأمنية لتصميم هندسي يراعي خصوصية المكان، بل إنها مجال يجري اختياره اعتباطا استجابة لمعايير يفرضها الواقع، فبعض دوائر الأمن هي مبان كانت معدة أصلا للسكن وأخرى عبارة عن (كاراجات)، كما أنها لا تتوفر على أدنى الخصوصيات المفترضة، وهو أمر يصعب من مأمورية أفراد الشرطة.
مصدر جيد الاطلاع قال لـ«المساء» إن مديرية التجهيز والميزانية، بالمديرية العامة للأمن الوطني، والمكلفة بكل ما يخص رجال الأمن بالمغرب من تجهيزات ووسائل لوجيستية وزي رسمي إلى أوراق المحاضر والأقلام ومداد المطابع الخاصة بالحواسيب، وبنزين سيارات الأمن، تصنف كسادس مديرية، غير أن أي رجل أمن، من أصغر رتبة إلى أعلاها يعتبرها أهم مديرية، كونها الوحيدة القادرة على السهر على توفير وسائل العمل الضرورية ابتداء من أوراق المحاضر والبذلة الرسمية التي تسلم لأي شرطي بعد تخرجه من المعهد الملكي للشرطة، انتهاء بسيارات فارهة لتنقل مسؤولين أمنيين، ووسائل وآليات متطورة تساعد مصالح أمنية معينة في تعقب شبكات دولية مختصة في الاتجار في المخدرات، دون الحديث عن أبسط متطلبات العمل، التي ينبغي توفرها في أي دائرة أمنية.
3 ملايين لا تكفي
مصادر متطابقة جيدة الاطلاع قالت إن مديرية التجهيز والميزانية، بالمديرية العامة للأمن الوطني، والمكلفة بكل ما يخص رجال الأمن بالمغرب من تجهيزات، تخصص 3 ملايين درهم لولاية أمن الدار البيضاء كميزانية للتجهيز، وتزويد عشرات الدوائر الأمنية بكل ما يخصهم من مكاتب وكراسي وأوراق، وحتى لوازم النظافة، غير أنه حسب المصادر نفسها، فإن الميزانية المخصصة لا تكفي لسد احتياجات الدوائر الأمنية اليومية، علما أن مكتبا واحدا لرئيس منطقة الأمن يمكن أن يكلف أزيد من مليون سنتيم.
المصادر نفسها قالت إن جميع الدوائر الأمنية ملزمة بكتابة تقارير مفصلة عن حاجياتهم اليومية، إضافة إلى كتابة تقارير عن الحواسيب المعطلة والمكاتب المتهالكة والكراسي غير المستعملة، وحتى الجدران المصدعة، غير أن هذه التقارير تبقى حبيسة الرفوف ولا يجري التعامل معها كمطالب مستعجلة يمكن أن تستنفر عناصر مديرية التجهيز والميزانية، التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني.
بعيدا عن ميزانية التجهيز التي تخصص لكل ولاية أمن قصد الاستجابة لمتطلبات الدوائر الأمنية، لا يجد أغلب رجال الأمن بمختلف رتبهم غير اللجوء إلى مالهم الخاص، لشراء مكاتب يحفرون عليها أسماءهم حتى لا يتم استبدالها بأخرى، وعاملات نظافة يتم جمع رواتبهن من طرف كل رجال الأمن بالدائرة الأمنية، حتى لا يعملون تحت ضغط الأوساخ والروائح الكريهة.
أغلب رجال الأمن يعولون عادة على ما يعرف بـ«المحسنين»، الذين يرون أن ترميم الدوائر وإصلاح جدرانها صدقة جارية يعترف بها المسؤولون الأمنيون ومن سيخلفهم، آخر الهبات كانت بناء مسجد كبير بمقر ولاية الأمن أنفا، وكان وراءها محسن انتبه إلى أن الولاية تفتقر إلى مسجد يجمع عشرات رجال الأمن الذين كانوا يضطرون لمغادرة الولاية بعشرات الأمتار لأداء الفريضة.
إضافة إلى مسجد الولاية الذي تكلف به أحد المحسنين، انتبه متطوع آخر لحال الدائرة الرابعة القريبة من شارع محمد الخامس، وجدرانها المتصدعة وطلائها الذي مسخت الشمس لونه الطبيعي، ما جعله يتكلف بإعادة ترميمها وصباغة جدرانها وتجهيزها بمكاتب وكراسي لتكلفه العملية 32 مليون سنتيم، يضيف مصدر مطلع.
دوائر مع وقف التنفيذ
يثير انتباهك وأنت تلج أحد مراكز الأمن مشهد شرطي ببذلته الرسمية منهمكاً، أثناء أوقات العمل، في إصلاح أحد الأبواب المكسورة، مشهد يثير الاستغراب. فهذا المشهد واحد من الصور المعبرة عن إحدى الوظائف الرئيسية لرجل بالأمن بالمغرب إلى جانب وظيفته الطبيعية، التي هي الحراسة، الكتابة، شرطة الجلسات، نقل وحراسة المعتقلين، المرور والخدمات المؤدى عنها.
صورة تتكرر وإن بأشكال متعددة، ومع ذلك فهي لم تعد تثير أدنى استغراب لدى أحد المنتمين إلى سلك الشرطة الذي هز كتفه دلالة على أنه أمر جرت به العادة في جميع المرافق التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني.
استمرار علامات الدهشة لدينا ستدفع محاورنا لاحقاً، إلى تقديم نماذج لصورة كثيرة لا تختزل افتقار الدوائر الأمنية لأبسط التجهيزات فقط، بل ترسم علامة استفهام كبيرة حول شروط وظروف عمل طاقم الشرطة في المغرب.
مصدر «المساء» تحدث عن الدائرة الأمنية الثانية بالمحمدية التي أغلقت في وقت مضى من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، بعد أن تبين لها أن جدرانها آيلة للسقوط فوق رؤوس «البوليس» في أي لحظة، وأن شظايا إسمنتية سقطت من السقف، وبرزت تصدعات في جدران مكاتبها وساحتها الداخلية. وجاء قرار الإدارة العامة بعد معاناة الموظفين فيها لعدة أشهر، وبعد أن أصبحت البناية تهدد العاملين والمواطنين بما لا يحمد عقباه في أي لحظة.
الدائرة الأمنية كانت إلى وقت قريب بناية متصدعة تابعة لملك الدولة، جرى بناؤها قبل أزيد من خمسين سنة، حيث كانت مسرحا لسكان القصبة، ثم تحولت إلى مقاطعة، ثم إلى مقر للشباب والرياضة، قبل أن يجري تحويلها إلى مقر للدائرة الأمنية الثانية، وهي ليست الحالة الوحيدة، بل هناك دائرة السور الجديد، التي تبين أنها غير صالحة للعمل أخيرا، ودائرة بدرب السلطان كانت إلى وقت قريب مرحاضا عموميا.
ونحن نتجول من مرفق أمني إلى آخر، ومن مكتب إلى آخر، كانت الصورة تأخذ أبعادا مركبة وعصية على الفهم، ليبقى السؤال مطروحا من يقف وراء خصاص التجهيزات التي تعانيها المصالح الأمنية بالمغرب؟
المصدر ج المساء عدد 2563 دجنبر 2014
Police
مديرية التجهيز والميزانية، بالمديرية العامة للأمن الوطني، والمكلفة بكل ما يخص رجال الأمن بالمغرب من تجهيزات ووسائل لوجيستية وزي رسمي، تصنف كسادس مديرية، بعد مديرية الأمن العمومي، ومديرية الشرطة القضائية، ومديرية الاستعلامات العامة، ومديرية نظم المعلوميات والاتصال والتشخيص ومديرية الموارد البشرية، غير أن أي رجل أمن، من أصغر رتبة إلى أعلاها يعتبرها أهم مديرية، كونها الوحيدة القادرة على السهر على توفير وسائل العمل الضرورية، ابتداء من أوراق المحاضر والبذلات الرسمية التي تسلم لأي شرطي بعد تخرجه من المعهد الملكي للشرطة، وانتهاء بسيارات فارهة لتنقل مسؤولين أمنيين، ووسائل وآليات متطورة تساعد مصالح أمنية معينة في تعقب شبكات دولية مختصة في الاتجار في المخدرات.
مرآب أمن البيضاء
ضابط أمن قال لـ«المساء» إن أي رجل أمن يتوجه كل سنتين أو أقل إلى مرآب معروف بشارع غاندي قريب من إحدى الدوائر الأمنية، لتسلم أربع بذل رسمية دفعة واحدة من حارس أمن يعمل بالمرآب، التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، والذي تتكلف لجنة من مديرية التجهيز والميزانية بتزويده كل سنة بآلاف البذل الرسمية، في حين تتسلم أزياء أمنية قديمة مسخت ألوانها الزرقاء القاتمة، حرارة الشمس الطبيعية، أو تحولت إلى أسمال بالية بعد أن فتك بها الغسيل.
عشرات رجال الأمن يتجهون إلى المرآب لتسلم قبعات ونياشين ومعطف بلاستيكي أبيض يحمل شارة الأمن الوطني، وأربعة سراويل وأربع سترات، اثنتان منها تلبس في الصيف وأخريان تلبسان في الشتاء، أثناء الإعلان عن ضرورة تغيير الزي الرسمي تماشيا مع طبيعة الفصل، في حين يتسلم جل رجال الأمن حذاء واحدا أسود.
رجل الأمن نفسه قال إن آلاف رجال الأمن بالدار البيضاء، لا يمكنهم اختيار البذل على مقاسهم، لأن المرآب غالبا ما يكون ممتلئا عن آخره، إذ يضطر الجميع إلى اختيار بذل بالعين المجردة، ليعمدوا فيما بعد إلى توضيبها على مقاسهم عند خياط مرخص له.
مرآب غاندي بالدار البيضاء، أو المزود الرسمي لرجال أمن العاصمة الاقتصادية بالزي الرسمي الذي يميزهم عن غيرهم، يوجد به أيضا مكان لمتلاشيات سيارات الشرطة، ومكاتب لم تعد صالحة للاستعمال، وأشياء أخرى يجري التصرف فيها، واستبدالها بأخرى جديدة لتزويد مصالح الأمن بها سنويا.
خياط االبوليس
وراء الأزقة الضيقة للمدينة القديمة يوجد خياط معروف، سلعته مختلفة عن باقي الخياطين. فعوض البذل العادية، يضع في واجهة محله الزجاجية قبعات أمنية ونياشين، ومكان السراويل التي تساير آخر صيحات الموضة، يضع سراويل بأشرطة جانبية زرقاء، يبدو وأنها لضباط أمن فصلوها على المقاس.
يقول مفتش شرطة ممتاز لـ«المساء» إن الدار البيضاء يوجد بها أكثر من 5 خياطين مرخص لهم ومعروفين بفصالة أزياء «البوليس» والدرك الملكي، والقوات المسلحة الملكية، يلجأ إلى خدماتهم آلاف رجال الأمن، الذين غالبا ما يتركون الأزياء الرسمية المسلمة لهم من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، ليختاروا خياطهم المفضل، الذي يصفونه بالفنان، والقادر على صناعة بذلة رسمية تناسب مقاس كل شرطي سواء كان ضعيف البنية أو ببنية جسمانية قوية تستدعي ثوبا «أوفر».
المعلومات التي حصلت عليها «المساء» تكشف أن الخياطين المرخص لهم بتصميم أزياء «البوليس» تكلفهم البذلة الواحدة 750 درهما دون احتساب القبعة، التي تكلف 200 درهم للواحدة، والنياشين التي تصنع بمائة درهم.
خياط المدينة القديمة، المعروف لدى آلاف «البوليس» بإبداعه وتمكنه من حرفته، ليس الوحيد بالدار البيضاء، بل هناك آخر بشارع فرنسا القريب من وسط المدينة، والذي يقصده الضباط وعمداء الشرطة، لتصميم بذل رسمية على المقاس.
المصدر الأمني قال إن خياطة البذل الرسمية لرجال الأمن، غالبا ما يتخصص فيها خياطون محترفون يستفيدون من رخص خاصة، لخياطة البذل الرسمية للدرك الملكي ورجال القوات المسلحة الملكية، ورجال الأمن.
صناعة لباس الشرطة
أغلب الحديث الذي يدور بين عشرات رجال الأمن عن الشركات المتخصصة في صناعة الأزياء الرسمية للشرطة، لا يعدو أن يكون حديثا فضفاضا بمعلومات غير مضبوطة، لأن البعض يعتقد أن شركة للجنرال حميدو العنيكري، المدير العام السابق للأمن الوطني، هي من تصنع لباس الشرطة كل سنة إضافة إلى أزياء أخرى خاصة بالدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، وهناك من يعتقد أن أحد المقربين من الجنرال حسني بنسليمان هو صاحب شركة معروفة تربطها عقدة مع المديرية العامة للأمن الوطني، تنص على تسليم عشرات الآلاف من البذل الرسمية كل سنة لمديرية التجهيز.
«المساء» ربطت الاتصال بأكثر من مصدر بالمديرية العامة للأمن الوطني لتسليط الضوء على فاتورة البذلة الرسمية لرجل الأمن مع العلم أن ثمنها يختلف حسب الثوب ورتبة رجل الأمن، غير أننا لم نجد جوابا واضحا، بدعوى أن الاختصاص لمصلحة أخرى، إذ يبدو وكأن الأمر يتعلق بسر من أسرار المديرية العامة للأمن الوطني.
الشركات المكلفة بصناعة لباس الشرطة والدرك الملكي، لا تكتفي بتزويد المديرية العامة للأمن الوطني، والقيادة العليا للدرك الملكي بآلاف البذل كل سنة، بل تصدر أزياء رسمية، لمديريات الشرطة بكل من إسبانيا وفرنسا، في حين تسهر مديرية التجهيز، التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، على تسليم أثواب رفيعة للمسؤولين الأمنيين قصد خياطتها على المقاس عند خياطين معروفين بالدار البيضاء والرباط والقنيطرة.
رجال الأمن بمختلف رتبهم لا يولون أهمية كبرى لأزياء المرائب التابعة لمديرية التجهيز التي يتسلمونها، حتى لا تبقى هناك لأن أغلبهم يلجأ إلى الخياطة، ربما لأنهم يعلمون أن الهندام وحسن مقاسه من شأنه أن ينعكس على نفسية العنصر ويعكس احترام الذات وتقدير الآخرين له.
كيف تطور لباس الشرطة منذ الحماية؟
كان أمن المغاربة قبيل عهد الحماية مقتصرا على المكان الذين يعيشون فيه. كان ما يعرف بـ«المقدمين» الذين يرتدون طرابيش حمراء ومعاطف قصيرة شبه صوفية، وأقمصة طويلة يتوسطها حزام أسود، وسراويل ضيقة من الأسفل، وأحذية إما سوداء أو بيضاء. أما رجال الأمن الذين كانوا يعرفون بـ«مولين دور» والذين كان دورهم يقتصر على إغلاق أبواب المدينة والأبواب التي تفصل الأحياء، فكانوا يلبسون سراويل سوداء فضفاضة، وطرابيش حمراء وأقمصة طويلة مشدودة بأحزمة، دون أن يستغنوا عن العصي أو الهراوات التي كانت تميزهم عن غيرهم.
وفي زمن الفوضى التي كان يعرفها المغرب، لم يكن هناك أمن على الإطلاق، وكانت الجريمة في كل المدن بكل بساطة لا تخضع لأي عقاب يذكر لانعدام جهاز شرطة فعلي وكانت أغلب عمليات السرقة تشمل الماشية.
وبعد أن تأسست الإدارة العامة للأمن الوطني طبقا لظهير 16ماي 1956 الذي ربط مقتضياتها مباشرة بوزارة الداخلية وخولها مهام الإشراف على نظام الأمن العمومي بمختلف مكوناته، فإن الزي تطور تدريجيا، والدراجات الهوائية التي كان يركبها رجال الأمن انقرضت، وأهم ما تغير في لباس الشرطة أنه أصبح لكل فرقة أمنية زيها الخاص بها، وأصبح بإمكان الخياطة أن يحصلوا على رخصة ويفصلوا بذلات على مقاس البنيات الجسمانية لرجال الأمن، الذين لم يكن لديهم خيار غير اللباس المسلم إليهم.
وعكس زي الدرك الملكي، لم يتغير كثيرا زي الأمن الوطني الذي كان قبل 40 سنة أسود لدى بعض الفرق الأمنية ثم تحول إلى أزرق داكن.
وداعا لباس كرواتيا
بعد خلق وحدات جديدة عبارة عن مجموعات حضرية للأمن تدعى شرطة القرب أو ما كان معروفا لدى البيضاويين بـ«كرواتيا»، لم يكتب للتجربة النجاح رغم أنها لم تكمل دورتها الحقيقية.
المديرية العامة للأمن الوطني، لم تجد بدا من تفويت السيارات والدراجات إلى الأجسام الأمنية الأخرى، التي مازالت تشتغل بها إلى حدود الساعة، في حين لم تجد حلا لـ 6000 بذلة كانت مخصصة لشرطة القرب والتي كانت تعتبر مفخرة لشرطة «كرواتيا»، إذ جرى إحراقها حسب رواية مصادر متطابقة، رغم أنها كلفت الإدارة مليارا و800 مليون سنتيم دون الحديث عن متطلبات أخرى أهدرتها مهمة «الكيس» طيلة سنة من عملها.
كانت الدار البيضاء من المدن التي استأثرت بالعدد الأوفر من قوات «كرواتيا»، إذ جرى نشر 1080 فردا بها، متبوعة بولاية الرباط والتي بلغ عدد أفراد «الكيس» بها 554. وبعد تفكيك هذا الجسم، أشرف المدير العام للأمن الوطني السابق، الشرقي اضريس، على إعادة انتشار وتوزيع عناصر الكيس داخل الهيئات الحضرية.
كيف تجهز الدوائر الأمنية بالمغرب؟
دوائر أمنية بجدران آيلة للسقوط أغلقت بقرار من المديرية العامة للأمن الوطني، وأخرى سقوفها تمطر شظايا إسمنتية وكأنها لعنة إلاهية تصيب المشتكين والمتهمين على حد سواء، ضباط أمن يشترون أوراق تحرير المحاضر من مالهم الخاص، مفتشو شرطة يضعون أقفالا لآلات «الداكتيلو» التي انتهى العمل بها منذ عهد الاستعمار، سيارات متهالكة معمرة تتدحرج كسلحفاة عجوز.
من يجهز الدوائر الأمنية بالدارالبيضاء وغيرها؟ كم تخصص المديرية العامة للأمن الوطني لكل ولاية أمن لتجهيز «الكوميساريات»؟ من يقف وراء صفقات التجهيز التي تعقدها مديرية الأمن مع الشركات الخاصة؟
أسئلة من بين أخرى تجيب عنها «المساء» لشرح كيفية تجهيز مصالح البوليس بالمغرب؟
درب غلف صديق البوليس
رغم أن مصلحة الديمومة بشارع عين تاوجطات في حي بوركون بالبيضاء لا تتوفر على هاتف، لتسهيل الاتصال بين الموظفين المكلفين بالديمومة والمصالح الأمنية بمقر الولاية، أو بالدوائر الأخرى العاملة في أماكن أخرى، أو بأسر المعتقلين لإخبارهم بوجود أحد أبنائها تحت الحراسة النظرية، انسجاما مع المسطرة القانونية، فإن العمل هنا يكتسي «بعدا نضاليا»، ثلاثة كراسي خشبية متهالكة، واحد لضابط الشرطة الوحيد بمقر المداومة وآخر لمفتش الشرطة المكلف بتحرير المحاضر، والثالث للمشتكين والمتهمين والضيوف يجلسون عليه بالتناوب، ويمنون النفس بالخروج سريعا من «البيرمانونس».
لم تسع العبارات عز الدين (ضابط شرطة) للتعبير عن شدة الغبن الذي يحس به، ضرب بيده الآلة الكاتبة التي أمامه، والتي ادعى أنه اشتراها من «جوطية» درب غلف من ماله الخاص، كما أشار للأوراق التي بداخلها، وقال إن هذه الأخيرة تأتى من إدارة الأمن قليلة وغير كافية حتى لعشرة أيام، ما يدفع أغلب رجال الأمن إلى تحسس جيوبهم بين الفينة والأخرى لشراء أوراق غالبا ما تتأخر ولاية الأمن بالدار البيضاء في تزويد الدوائر الأمنية بها.
كريم تحدت عن إصلاح آلات «الداكتيلو»، التي كانوا يعملون بها قبل تجهيز الدوائر بالحواسيب، من جيوب رجال الأمن بشكل أسبوعي، وتكلم عن المكاتب المتهالكة، ورائحة مرحاض مصالح الديمومة، التي تجعل العمل داخلها شيئا مستحيلا، وبتنهيدة عميقة، وصمت يعجز الكلام عن وصفه بجرة قلم، أنهى عز الدين كلامه قبل أن تأتي على لسانه عبارة «غير خليها على الله».
داخل االكوميسارية
تضطر بعض الدوائر الأمنية إلى جلب مجموعة من الكراسي القديمة من المتلاشيات التي يتم الاستغناء عنها من طرف الإدارات العمومية، لأن عدد المكاتب لا يوازي عدد الكراسي التي توفرها المديرية العامة للأمن الوطني، وقد يقتني رجل الأمن الحاسوب أو آلة الرقن من ماله الخاص، كما يضع عليها قفلا حتى لا يستعملها بقية زملائه، ولا تخضع الدوائر الأمنية لتصميم هندسي يراعي خصوصية المكان، بل إنها مجال يجري اختياره اعتباطا استجابة لمعايير يفرضها الواقع، فبعض دوائر الأمن هي مبان كانت معدة أصلا للسكن وأخرى عبارة عن (كاراجات)، كما أنها لا تتوفر على أدنى الخصوصيات المفترضة، وهو أمر يصعب من مأمورية أفراد الشرطة.
مصدر جيد الاطلاع قال لـ«المساء» إن مديرية التجهيز والميزانية، بالمديرية العامة للأمن الوطني، والمكلفة بكل ما يخص رجال الأمن بالمغرب من تجهيزات ووسائل لوجيستية وزي رسمي إلى أوراق المحاضر والأقلام ومداد المطابع الخاصة بالحواسيب، وبنزين سيارات الأمن، تصنف كسادس مديرية، غير أن أي رجل أمن، من أصغر رتبة إلى أعلاها يعتبرها أهم مديرية، كونها الوحيدة القادرة على السهر على توفير وسائل العمل الضرورية ابتداء من أوراق المحاضر والبذلة الرسمية التي تسلم لأي شرطي بعد تخرجه من المعهد الملكي للشرطة، انتهاء بسيارات فارهة لتنقل مسؤولين أمنيين، ووسائل وآليات متطورة تساعد مصالح أمنية معينة في تعقب شبكات دولية مختصة في الاتجار في المخدرات، دون الحديث عن أبسط متطلبات العمل، التي ينبغي توفرها في أي دائرة أمنية.
3 ملايين لا تكفي
مصادر متطابقة جيدة الاطلاع قالت إن مديرية التجهيز والميزانية، بالمديرية العامة للأمن الوطني، والمكلفة بكل ما يخص رجال الأمن بالمغرب من تجهيزات، تخصص 3 ملايين درهم لولاية أمن الدار البيضاء كميزانية للتجهيز، وتزويد عشرات الدوائر الأمنية بكل ما يخصهم من مكاتب وكراسي وأوراق، وحتى لوازم النظافة، غير أنه حسب المصادر نفسها، فإن الميزانية المخصصة لا تكفي لسد احتياجات الدوائر الأمنية اليومية، علما أن مكتبا واحدا لرئيس منطقة الأمن يمكن أن يكلف أزيد من مليون سنتيم.
المصادر نفسها قالت إن جميع الدوائر الأمنية ملزمة بكتابة تقارير مفصلة عن حاجياتهم اليومية، إضافة إلى كتابة تقارير عن الحواسيب المعطلة والمكاتب المتهالكة والكراسي غير المستعملة، وحتى الجدران المصدعة، غير أن هذه التقارير تبقى حبيسة الرفوف ولا يجري التعامل معها كمطالب مستعجلة يمكن أن تستنفر عناصر مديرية التجهيز والميزانية، التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني.
بعيدا عن ميزانية التجهيز التي تخصص لكل ولاية أمن قصد الاستجابة لمتطلبات الدوائر الأمنية، لا يجد أغلب رجال الأمن بمختلف رتبهم غير اللجوء إلى مالهم الخاص، لشراء مكاتب يحفرون عليها أسماءهم حتى لا يتم استبدالها بأخرى، وعاملات نظافة يتم جمع رواتبهن من طرف كل رجال الأمن بالدائرة الأمنية، حتى لا يعملون تحت ضغط الأوساخ والروائح الكريهة.
أغلب رجال الأمن يعولون عادة على ما يعرف بـ«المحسنين»، الذين يرون أن ترميم الدوائر وإصلاح جدرانها صدقة جارية يعترف بها المسؤولون الأمنيون ومن سيخلفهم، آخر الهبات كانت بناء مسجد كبير بمقر ولاية الأمن أنفا، وكان وراءها محسن انتبه إلى أن الولاية تفتقر إلى مسجد يجمع عشرات رجال الأمن الذين كانوا يضطرون لمغادرة الولاية بعشرات الأمتار لأداء الفريضة.
إضافة إلى مسجد الولاية الذي تكلف به أحد المحسنين، انتبه متطوع آخر لحال الدائرة الرابعة القريبة من شارع محمد الخامس، وجدرانها المتصدعة وطلائها الذي مسخت الشمس لونه الطبيعي، ما جعله يتكلف بإعادة ترميمها وصباغة جدرانها وتجهيزها بمكاتب وكراسي لتكلفه العملية 32 مليون سنتيم، يضيف مصدر مطلع.
دوائر مع وقف التنفيذ
يثير انتباهك وأنت تلج أحد مراكز الأمن مشهد شرطي ببذلته الرسمية منهمكاً، أثناء أوقات العمل، في إصلاح أحد الأبواب المكسورة، مشهد يثير الاستغراب. فهذا المشهد واحد من الصور المعبرة عن إحدى الوظائف الرئيسية لرجل بالأمن بالمغرب إلى جانب وظيفته الطبيعية، التي هي الحراسة، الكتابة، شرطة الجلسات، نقل وحراسة المعتقلين، المرور والخدمات المؤدى عنها.
صورة تتكرر وإن بأشكال متعددة، ومع ذلك فهي لم تعد تثير أدنى استغراب لدى أحد المنتمين إلى سلك الشرطة الذي هز كتفه دلالة على أنه أمر جرت به العادة في جميع المرافق التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني.
استمرار علامات الدهشة لدينا ستدفع محاورنا لاحقاً، إلى تقديم نماذج لصورة كثيرة لا تختزل افتقار الدوائر الأمنية لأبسط التجهيزات فقط، بل ترسم علامة استفهام كبيرة حول شروط وظروف عمل طاقم الشرطة في المغرب.
مصدر «المساء» تحدث عن الدائرة الأمنية الثانية بالمحمدية التي أغلقت في وقت مضى من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، بعد أن تبين لها أن جدرانها آيلة للسقوط فوق رؤوس «البوليس» في أي لحظة، وأن شظايا إسمنتية سقطت من السقف، وبرزت تصدعات في جدران مكاتبها وساحتها الداخلية. وجاء قرار الإدارة العامة بعد معاناة الموظفين فيها لعدة أشهر، وبعد أن أصبحت البناية تهدد العاملين والمواطنين بما لا يحمد عقباه في أي لحظة.
الدائرة الأمنية كانت إلى وقت قريب بناية متصدعة تابعة لملك الدولة، جرى بناؤها قبل أزيد من خمسين سنة، حيث كانت مسرحا لسكان القصبة، ثم تحولت إلى مقاطعة، ثم إلى مقر للشباب والرياضة، قبل أن يجري تحويلها إلى مقر للدائرة الأمنية الثانية، وهي ليست الحالة الوحيدة، بل هناك دائرة السور الجديد، التي تبين أنها غير صالحة للعمل أخيرا، ودائرة بدرب السلطان كانت إلى وقت قريب مرحاضا عموميا.
ونحن نتجول من مرفق أمني إلى آخر، ومن مكتب إلى آخر، كانت الصورة تأخذ أبعادا مركبة وعصية على الفهم، ليبقى السؤال مطروحا من يقف وراء خصاص التجهيزات التي تعانيها المصالح الأمنية بالمغرب؟
المصدر ج المساء عدد 2563 دجنبر 2014