<insموضوع: الأطر الإدارية والتربوية بالمؤسسة التعليمية بين العنف المدرسي والنصوص التشريعية</ins
نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس
مقدمة:
قد يصدر فعل عنيف عن تلميذ(ة) ضد إطار تربوي أو إداري بمرافق المؤسسة التعليمية، وقد يصدر فعل عنيف عن إطار إداري أو تربوي ضد تلميذ(ة)، فتنجز تقارير وتأخذ المسطرة القانونية مجراها
وفق النصوص التشريعية المعمول بها، فيتم زجر الفاعل، وإنصاف صاحب حق، حسب الحالات.
ومن طبيعة المربي، بصفته راشدا وعاقلا، اتخاذ عقوبات تربوية بعيدة عن الزجر، ولا ترمي إلحاق الضرر بالتلميذ(ة) المخالف(ة) للقانون، كان عفويا أو قصدا، بعد مناقشة مجلس القسم ظروف صدور الفعل وملابساته وحيثياته وكل الجوانب المتعلقة به من أجل التعرف على نوعه وإثباته وتحديد طبيعته ومفعوله النفسي والمادي. فما هي الأفعال الصادرة عن التلاميذ؟ وما هي طبيعتها؟ وما هي العقوبات المتخذة من طرف مجلس القسم في حق التلاميذ الصادرة عنهم أفعال عنيفة داخل المؤسسة التعليمية؟ ولماذا أضحى التلاميذ يتعمدون فعل العنف ضد الأطر الإدارية والتربوية؟ وكيف يمكن الحد من العنف المدرسي داخل المؤسسات التعليمية؟
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة الفرعية المؤطرة للسؤال المحوري للموضوع الحالي المتجلى في: أي موقع يتخذه الإداري والتربوي بالمؤسسة التعليمية في مواجهة العنف المدرسي وتطبيق النصوص التشريعية المعمول بها؟، انطلاقا من واقع التعامل اليومي للأطر الإدارية والتربوية مع التلاميذ داخل الفضاءات التربوية والتعليمية، وذلك من خلال الفقرات الواردة أسفله، وبعد الفصل منهجيا، والتأكيد على أن فعل العنف، يمكن أن يصدر عن الإداري والتربوي، حيث يعتبر فعلا ذا أبعاد مهنية وقانونية، نتركه جانبا، في إطار موضوع آخر.
أ- العنف الصادر عن التلميذ(ة): أسبابه، أنواعه وآثاره:
تختلف وتتنوع أسباب الشنآن والمشادات بين التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، فيتحول حوار عادي إلى تلفظ تلميذ بكلام بذيء، يرفض إحضار أولياء أمره بعدما، مثلا، تأخر أو تغيب بدون مبرر. وفي مثال آخر، قد يتم ضبط تلميذ(ة) في حالة غش، فيثور غضبا في وجه المراقبين، ويلجأ إلى الصراخ الصاخب في حالة هستيرية مخيفة، يستعرض عضلاته، مهددا ومتوعدا. وفي كثير من الأحيان، وعند إرجاع الأستاذ نقط الفرض المحروس، يواجه حالات متعددة من الاحتجاج والتظلم والتنديد والتكتل وشن تهجمات فردية أو جماعية، قد لا تستند لأي مبرر. فتتعالى الأصوات والمفردات النابية في وجه الأستاذ، وأحيانا بحضور الأطر الإدارية، وتتحول عملية تربوية إلى شد وجذب وتبادل الكلام المخل بالحياء الذي لا يمت لفعل التربية بصلة، قد يليه سب وشتم وضرب، وجرح حتى، غالبا ما يكون الأستاذ ضحيته.
ومن فرط الإهمال وعدم الاهتمام، أو الشعور بالإحباط، فإن تلاميذ كثرا يرفضون إعداد دروسهم وإنجاز الواجبات المنزلية، كما يفدون على القسم دون دفاتر ودون كتاب مدرسي وبلا أدوات، ينتظرون نبس الأستاذ بكلمة ليثوروا في وجهه وبكل فظاظة متعمدين المس بكرامته أمام زملائهم، معلنين التمرد والعصيان، ومتحينين فرص توجيه الأستاذ لوما أو ملاحظة، ليطلقوا العنان لقاموسهم اللغوي البذيء، دون خجل ولا حياء، الوضع الذي قد يتحول إلى رفس وتدافع وصراخ يؤدي إلى حضور الأطر الإدارية للتدخل وفض النزاع بإخراج التلاميذ العنيفين والمشاغبين وإنجاز تقارير في الموضوع تنتهي بعقوبات، يليها القيل والقال.
وفي فصول دراسية عدة، يقضي المدرس جل حصة الدرس، في البحث على سارق قلم أو منجرة أو دفتر، ليصبح مهزلة مفتعلة وأضحوكة يحملق فيه التلاميذ باستهزاء وازدراء، قاصدين النيل منه لإثارة حفيظته، فيستشيط غيظا، ويتحول إلى مهين كرامة التلاميذ، وينعت بأحط النعوت الملتصقة بالمربي الفاشل، غير المتحكم في أعصابه، وغير القادر على تدبير شؤون القسم وتعليم التلاميذ.
وقد تفشت، وبشكل فظيع، ظاهرة رنين الهاتف النقال أثناء إنجاز الدروس، واستعماله في تصوير وتسجيل أحداث عارضة أو مفتعلة، يختلقها تلميذ(ة) لجر الأستاذ(ة) واستدراجه إلى حالة الغضب، ليظهر على فيديوهات وكأنه الخارج عن اللياقة والمعتدي وغير المحترم لحرمة الفصل الدراسي، ومستعمل الشطط، ومخالف للقانون ومسئول كمربي وراشد، عليه التصرف بحكمة ورزانة رغم فعل الاستفزاز المتعمد والماس بالكرامة !!!.
وعليه يمكن لأي متتبع أن يتلمس عدة أوجه لفعل العنف الصادر عن التلاميذ ضد الأطر الإدارية والتربوية بالمؤسسة التعليمية، فيكون إما عفويا وتلفه البراءة، وإما قصديا ويتم عن نية وسبق إصرار، وإما عن طريق التغرير دون وعي. ولما تتوصل إجراءات التحري إلى فعل عفوي، خصوصا، إن لم تنتج عنه أضرار، فإن الصادر عنه الفعل يتمتع ببراءة مع توجيه ملاحظات لفت الانتباه. وإذا توصل البحث باعتماد الأدلة والقرائن والشهود إلى نية وقصد الفاعل العنف وإلحاق الضرر بالمدرس أو الإداري، لفظا أو جسديا، إهانة وتجريحا، أو مسا بكرامة المدرس، أو إحداث جروح أو كدوم أو إعاقة...فإن إجراء العقاب يكون واردا حرصا على الحفاظ على كرامة المعتدى عليه، وحرصا على استتباب النظام وحرمة المؤسسة التربوية.
وتجدر الإشارة إلى أن أسباب العنف المثارة أعلاه ترتبط بالتلميذ(ة) ذاته، ألا تعتبر ردود فعل منطقية لعوامل موضوعية تتصل بمحيطه الاجتماعي والمدرسي وتتجلى، من جهة، في واقعه الأسري والثقافي والاجتماعي من حيث مستوى العيش والعوز والأمية والأمراض وعطالة حاملي الشواهد التي تزرع الإحباط في صفوف التلاميذ، ومن جهة أخرى، في الواقع المدرسي من حيث البرامج والمناهج الغريبة عن وسطه، وضخامة المقررات وكثرة المواد الدراسية، وظاهرة اكتظاظ الأقسام التي لا تترك مجالا لقيام الأستاذ بأدواره التربوية، وغياب الأشغال التطبيقية في المواد العلمية والتقنية؟
ب- العقوبات المتخذة في حق التلاميذ العنيفين: أنواعها، آثارها وانعكاساتها:
يعتبر العقاب إجراء تربويا مناسبا لحجم الفعل الصادر عن التلميذ(ة) العنيف، وتتجلى القرارات التأديبية المحددة وفق مراسلة صادرة عن وزارة التربية الوطنية، في مجموعة من الإجراءات من قبيل تنظيف ساحة المؤسسة التعليمية ومرافقها، والقيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية كالتنظيف وترتيب الكتب والمراجع، وإنجاز أشغال البستنة، والمساعدة في الأشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية، والمساعدة في تنظيم الأنشطة الرياضية.
وقد تبين للأطر الإدارية والتربوية، أن هذه الإجراءات التأديبية قد تتطلب ترخيصا من أولياء أمور التلاميذ وقبولهم بها، حيث التلميذ(ة) المتخذ في حقه أحد هذه الإجراءات، قد يشعر بإهانة ينتج عنها نفور من المدرسة، وقد يلحقه أذى وهو يقوم بعمل بأحد مرافق المؤسسة التعليمية. كما تبين أن هذه الإجراءات قد تندرج ضمن المساس بحقوق الطفل من حيث تشغيله وهو لا يزال يافعا غض البنية الجسمية وقليل التحمل. ومن ناحية أخرى، حيث يتسم سلوك التلميذ بالعنف فقد يتحدى مجلس القسم، ويرفض القيام بمثل هذه الأعمال، ما يمكن أن يجره إلى اقتراف أفعال أشد خطورة.
لهذه الأسباب قد يتحاشى مجلس القسم الانعقاد بشأن النظر في حالة عنف معينة، ما ينتج عنه استفحال أوضاع السلوكات الخشنة، الأمر الذي يترتب عنه تنامي حالات ظواهر العنف وتفاقمها، ما ينعكس سلبا على العملية التربوية برمتها.
ج- موقع الأطر الإدارية والتربوية بين النصوص التشريعية والعنف المدرسي:
بالنظر إلى ما أسلف، يجد الأطر والتربوية أنفسهم بين فكي كماشة: فك مكون من العنف المدرسي الذي أخذ يتنامي ويستشري في صفوف التلاميذ، وفك يتكون من بنود النصوص التشريعية، التي تعتبر الإطار التربوي والإداري مربيا وعاقلا وراشدا ومسئولا.
وفي إطار الالتزام بالقوانين والتشريعات المعمول بها، وتجنبا لكل ما يمكن أن يلحق ضررا، فإن الجانب الأسلم، يرى الإطار الإداري والتربوي، الوسطية والاعتدال، فالتطبيق المرن للنصوص التنظيمية، وعدم التشدد في المعاملات، والالتجاء للترغيب أحيانا، والتغاضي أحايين أخرى اكتفاء بالإشارة والإيماء، والاستعانة بحضور الأمهات والآباء عن طريق الاتصال عبر الهاتف، تشكل إجراءات قد تحاصر العنف أو تحد منه.
لكن، يرى الأطر الإدارية والتربوية، من ناحية أخرى، أن العنف المنظم والمتعمد لن تنفع فيه هذه الإجراءات المرنة، بل يجب أن يواجه بحزم ومسئولية، ملاحظين في ذات الآن، أن الإجراءات المنصوص عليها، والمشار إليها أعلاه، لن تفيد في شيء، ومتسائلين: هل يلتزم الإطار الإداري والتربوي الحياد والتغاضي والانسحاب؟
لكن السؤال الذي يبقى قائما: أي رد فعل يقوم به الإداري والتربوي والعنف يستهدفه قصدا وعمدا ويستهدف الأمن المدرسي عموما؟
خاتمة:
تبقى الأجوبة على هذه الأسئلة وغيرها عالقة، وقد يبقى العنف قائما، إلى حين:
وضع الأصبع على الأسباب والدواعي الحقيقية من خلال دراسات وبحوث عميقة؛
إرساء إجراءات تأديبية متدرجة تصاعديا حسب خطورة فعل العنف الصادر عن التلميذ، قد تنطلق من الإنذار إلى الطرد النهائي من المؤسسة التعليمية، مع العمل، طبعا ودما، على حفظ كرامة التلميذ(ة)؛
العمل على الإرساء الفعلي لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص؛
إلغاء الفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي من حيث النتائج والامتيازات؛
وضع برامج ومقررات دراسية في متناول التلاميذ اجتماعيا وثقافيا؛
اعتماد التعليم الهادف المرتكز على انخراط التلميذ(ة) وتفاعله نظريا وعمليا؛
إلغاء كل أسباب الإحباط التي نالت من التلاميذ وقد أدت ببعضهم إلى اليأس؛
القضاء على العطالة التي طالت حاملي الشواهد الدراسية والمهنية؛
القضاء على الأمية والفقر الأمراض التي استشرت في صفوف أغلب الأسر؛
تفعيل أدوار خلايا اليقظة والإنصات والمقابلات الفردية مع التلاميذ غير المنضبطين؛
تفعيل أدوار النوادي التربوية والتظاهرات الرياضية والثقافية وتعميمها في صفوف التلاميذ؛
تعميم خدمات مختلف البرامج والمشاريع المنجزة على صعيد المؤسسة التعليمية؛
الإشراك الفعلي لأمهات وآباء وأولياء التلاميذ في تدبير الشؤون التربوية والتعليمية عن طريق التواصل والاتصال عبر الهاتف؛
المراجع:
- النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي؛
- المراسلة الوزارية عدد 14/ 867 بشأن القرارات التأدبيبة؛
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس
قد يصدر فعل عنيف عن تلميذ(ة) ضد إطار تربوي أو إداري بمرافق المؤسسة التعليمية، وقد يصدر فعل عنيف عن إطار إداري أو تربوي ضد تلميذ(ة)، فتنجز تقارير وتأخذ المسطرة القانونية مجراها
وفق النصوص التشريعية المعمول بها، فيتم زجر الفاعل، وإنصاف صاحب حق، حسب الحالات.
ومن طبيعة المربي، بصفته راشدا وعاقلا، اتخاذ عقوبات تربوية بعيدة عن الزجر، ولا ترمي إلحاق الضرر بالتلميذ(ة) المخالف(ة) للقانون، كان عفويا أو قصدا، بعد مناقشة مجلس القسم ظروف صدور الفعل وملابساته وحيثياته وكل الجوانب المتعلقة به من أجل التعرف على نوعه وإثباته وتحديد طبيعته ومفعوله النفسي والمادي. فما هي الأفعال الصادرة عن التلاميذ؟ وما هي طبيعتها؟ وما هي العقوبات المتخذة من طرف مجلس القسم في حق التلاميذ الصادرة عنهم أفعال عنيفة داخل المؤسسة التعليمية؟ ولماذا أضحى التلاميذ يتعمدون فعل العنف ضد الأطر الإدارية والتربوية؟ وكيف يمكن الحد من العنف المدرسي داخل المؤسسات التعليمية؟
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة الفرعية المؤطرة للسؤال المحوري للموضوع الحالي المتجلى في: أي موقع يتخذه الإداري والتربوي بالمؤسسة التعليمية في مواجهة العنف المدرسي وتطبيق النصوص التشريعية المعمول بها؟، انطلاقا من واقع التعامل اليومي للأطر الإدارية والتربوية مع التلاميذ داخل الفضاءات التربوية والتعليمية، وذلك من خلال الفقرات الواردة أسفله، وبعد الفصل منهجيا، والتأكيد على أن فعل العنف، يمكن أن يصدر عن الإداري والتربوي، حيث يعتبر فعلا ذا أبعاد مهنية وقانونية، نتركه جانبا، في إطار موضوع آخر.
أ- العنف الصادر عن التلميذ(ة): أسبابه، أنواعه وآثاره:
تختلف وتتنوع أسباب الشنآن والمشادات بين التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، فيتحول حوار عادي إلى تلفظ تلميذ بكلام بذيء، يرفض إحضار أولياء أمره بعدما، مثلا، تأخر أو تغيب بدون مبرر. وفي مثال آخر، قد يتم ضبط تلميذ(ة) في حالة غش، فيثور غضبا في وجه المراقبين، ويلجأ إلى الصراخ الصاخب في حالة هستيرية مخيفة، يستعرض عضلاته، مهددا ومتوعدا. وفي كثير من الأحيان، وعند إرجاع الأستاذ نقط الفرض المحروس، يواجه حالات متعددة من الاحتجاج والتظلم والتنديد والتكتل وشن تهجمات فردية أو جماعية، قد لا تستند لأي مبرر. فتتعالى الأصوات والمفردات النابية في وجه الأستاذ، وأحيانا بحضور الأطر الإدارية، وتتحول عملية تربوية إلى شد وجذب وتبادل الكلام المخل بالحياء الذي لا يمت لفعل التربية بصلة، قد يليه سب وشتم وضرب، وجرح حتى، غالبا ما يكون الأستاذ ضحيته.
ومن فرط الإهمال وعدم الاهتمام، أو الشعور بالإحباط، فإن تلاميذ كثرا يرفضون إعداد دروسهم وإنجاز الواجبات المنزلية، كما يفدون على القسم دون دفاتر ودون كتاب مدرسي وبلا أدوات، ينتظرون نبس الأستاذ بكلمة ليثوروا في وجهه وبكل فظاظة متعمدين المس بكرامته أمام زملائهم، معلنين التمرد والعصيان، ومتحينين فرص توجيه الأستاذ لوما أو ملاحظة، ليطلقوا العنان لقاموسهم اللغوي البذيء، دون خجل ولا حياء، الوضع الذي قد يتحول إلى رفس وتدافع وصراخ يؤدي إلى حضور الأطر الإدارية للتدخل وفض النزاع بإخراج التلاميذ العنيفين والمشاغبين وإنجاز تقارير في الموضوع تنتهي بعقوبات، يليها القيل والقال.
وفي فصول دراسية عدة، يقضي المدرس جل حصة الدرس، في البحث على سارق قلم أو منجرة أو دفتر، ليصبح مهزلة مفتعلة وأضحوكة يحملق فيه التلاميذ باستهزاء وازدراء، قاصدين النيل منه لإثارة حفيظته، فيستشيط غيظا، ويتحول إلى مهين كرامة التلاميذ، وينعت بأحط النعوت الملتصقة بالمربي الفاشل، غير المتحكم في أعصابه، وغير القادر على تدبير شؤون القسم وتعليم التلاميذ.
وقد تفشت، وبشكل فظيع، ظاهرة رنين الهاتف النقال أثناء إنجاز الدروس، واستعماله في تصوير وتسجيل أحداث عارضة أو مفتعلة، يختلقها تلميذ(ة) لجر الأستاذ(ة) واستدراجه إلى حالة الغضب، ليظهر على فيديوهات وكأنه الخارج عن اللياقة والمعتدي وغير المحترم لحرمة الفصل الدراسي، ومستعمل الشطط، ومخالف للقانون ومسئول كمربي وراشد، عليه التصرف بحكمة ورزانة رغم فعل الاستفزاز المتعمد والماس بالكرامة !!!.
وعليه يمكن لأي متتبع أن يتلمس عدة أوجه لفعل العنف الصادر عن التلاميذ ضد الأطر الإدارية والتربوية بالمؤسسة التعليمية، فيكون إما عفويا وتلفه البراءة، وإما قصديا ويتم عن نية وسبق إصرار، وإما عن طريق التغرير دون وعي. ولما تتوصل إجراءات التحري إلى فعل عفوي، خصوصا، إن لم تنتج عنه أضرار، فإن الصادر عنه الفعل يتمتع ببراءة مع توجيه ملاحظات لفت الانتباه. وإذا توصل البحث باعتماد الأدلة والقرائن والشهود إلى نية وقصد الفاعل العنف وإلحاق الضرر بالمدرس أو الإداري، لفظا أو جسديا، إهانة وتجريحا، أو مسا بكرامة المدرس، أو إحداث جروح أو كدوم أو إعاقة...فإن إجراء العقاب يكون واردا حرصا على الحفاظ على كرامة المعتدى عليه، وحرصا على استتباب النظام وحرمة المؤسسة التربوية.
وتجدر الإشارة إلى أن أسباب العنف المثارة أعلاه ترتبط بالتلميذ(ة) ذاته، ألا تعتبر ردود فعل منطقية لعوامل موضوعية تتصل بمحيطه الاجتماعي والمدرسي وتتجلى، من جهة، في واقعه الأسري والثقافي والاجتماعي من حيث مستوى العيش والعوز والأمية والأمراض وعطالة حاملي الشواهد التي تزرع الإحباط في صفوف التلاميذ، ومن جهة أخرى، في الواقع المدرسي من حيث البرامج والمناهج الغريبة عن وسطه، وضخامة المقررات وكثرة المواد الدراسية، وظاهرة اكتظاظ الأقسام التي لا تترك مجالا لقيام الأستاذ بأدواره التربوية، وغياب الأشغال التطبيقية في المواد العلمية والتقنية؟
ب- العقوبات المتخذة في حق التلاميذ العنيفين: أنواعها، آثارها وانعكاساتها:
يعتبر العقاب إجراء تربويا مناسبا لحجم الفعل الصادر عن التلميذ(ة) العنيف، وتتجلى القرارات التأديبية المحددة وفق مراسلة صادرة عن وزارة التربية الوطنية، في مجموعة من الإجراءات من قبيل تنظيف ساحة المؤسسة التعليمية ومرافقها، والقيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية كالتنظيف وترتيب الكتب والمراجع، وإنجاز أشغال البستنة، والمساعدة في الأشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية، والمساعدة في تنظيم الأنشطة الرياضية.
وقد تبين للأطر الإدارية والتربوية، أن هذه الإجراءات التأديبية قد تتطلب ترخيصا من أولياء أمور التلاميذ وقبولهم بها، حيث التلميذ(ة) المتخذ في حقه أحد هذه الإجراءات، قد يشعر بإهانة ينتج عنها نفور من المدرسة، وقد يلحقه أذى وهو يقوم بعمل بأحد مرافق المؤسسة التعليمية. كما تبين أن هذه الإجراءات قد تندرج ضمن المساس بحقوق الطفل من حيث تشغيله وهو لا يزال يافعا غض البنية الجسمية وقليل التحمل. ومن ناحية أخرى، حيث يتسم سلوك التلميذ بالعنف فقد يتحدى مجلس القسم، ويرفض القيام بمثل هذه الأعمال، ما يمكن أن يجره إلى اقتراف أفعال أشد خطورة.
لهذه الأسباب قد يتحاشى مجلس القسم الانعقاد بشأن النظر في حالة عنف معينة، ما ينتج عنه استفحال أوضاع السلوكات الخشنة، الأمر الذي يترتب عنه تنامي حالات ظواهر العنف وتفاقمها، ما ينعكس سلبا على العملية التربوية برمتها.
ج- موقع الأطر الإدارية والتربوية بين النصوص التشريعية والعنف المدرسي:
بالنظر إلى ما أسلف، يجد الأطر والتربوية أنفسهم بين فكي كماشة: فك مكون من العنف المدرسي الذي أخذ يتنامي ويستشري في صفوف التلاميذ، وفك يتكون من بنود النصوص التشريعية، التي تعتبر الإطار التربوي والإداري مربيا وعاقلا وراشدا ومسئولا.
وفي إطار الالتزام بالقوانين والتشريعات المعمول بها، وتجنبا لكل ما يمكن أن يلحق ضررا، فإن الجانب الأسلم، يرى الإطار الإداري والتربوي، الوسطية والاعتدال، فالتطبيق المرن للنصوص التنظيمية، وعدم التشدد في المعاملات، والالتجاء للترغيب أحيانا، والتغاضي أحايين أخرى اكتفاء بالإشارة والإيماء، والاستعانة بحضور الأمهات والآباء عن طريق الاتصال عبر الهاتف، تشكل إجراءات قد تحاصر العنف أو تحد منه.
لكن، يرى الأطر الإدارية والتربوية، من ناحية أخرى، أن العنف المنظم والمتعمد لن تنفع فيه هذه الإجراءات المرنة، بل يجب أن يواجه بحزم ومسئولية، ملاحظين في ذات الآن، أن الإجراءات المنصوص عليها، والمشار إليها أعلاه، لن تفيد في شيء، ومتسائلين: هل يلتزم الإطار الإداري والتربوي الحياد والتغاضي والانسحاب؟
لكن السؤال الذي يبقى قائما: أي رد فعل يقوم به الإداري والتربوي والعنف يستهدفه قصدا وعمدا ويستهدف الأمن المدرسي عموما؟
خاتمة:
تبقى الأجوبة على هذه الأسئلة وغيرها عالقة، وقد يبقى العنف قائما، إلى حين:
وضع الأصبع على الأسباب والدواعي الحقيقية من خلال دراسات وبحوث عميقة؛
إرساء إجراءات تأديبية متدرجة تصاعديا حسب خطورة فعل العنف الصادر عن التلميذ، قد تنطلق من الإنذار إلى الطرد النهائي من المؤسسة التعليمية، مع العمل، طبعا ودما، على حفظ كرامة التلميذ(ة)؛
العمل على الإرساء الفعلي لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص؛
إلغاء الفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي من حيث النتائج والامتيازات؛
وضع برامج ومقررات دراسية في متناول التلاميذ اجتماعيا وثقافيا؛
اعتماد التعليم الهادف المرتكز على انخراط التلميذ(ة) وتفاعله نظريا وعمليا؛
إلغاء كل أسباب الإحباط التي نالت من التلاميذ وقد أدت ببعضهم إلى اليأس؛
القضاء على العطالة التي طالت حاملي الشواهد الدراسية والمهنية؛
القضاء على الأمية والفقر الأمراض التي استشرت في صفوف أغلب الأسر؛
تفعيل أدوار خلايا اليقظة والإنصات والمقابلات الفردية مع التلاميذ غير المنضبطين؛
تفعيل أدوار النوادي التربوية والتظاهرات الرياضية والثقافية وتعميمها في صفوف التلاميذ؛
تعميم خدمات مختلف البرامج والمشاريع المنجزة على صعيد المؤسسة التعليمية؛
الإشراك الفعلي لأمهات وآباء وأولياء التلاميذ في تدبير الشؤون التربوية والتعليمية عن طريق التواصل والاتصال عبر الهاتف؛
المراجع:
- النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي؛
- المراسلة الوزارية عدد 14/ 867 بشأن القرارات التأدبيبة؛
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.