إبنك في الباكلوريا.. ماذا تختار؟ Orientation
حسن العيساتي
--------
تعمدت أن أتوجه بسؤالي هذا للآباء خلافا لما اعتدت القيام بها خلال مزاولتي لعملي من التوجه للتلاميذ وسؤالهم عن اختياراتهم وميولاتهم وبالتالي مساعدتهم على التوجيه الصحيح بالنسبة إليهم.
الاباء خلال هذه الفترة من السنة يعانون أكثر من أبنائهم، الابناء لا يعانون أغلبهم غارق في عوالم افتراضية: المنتمون الى الطبقات المتوسطة منهم يكتفون بهواتف ذكية ويعيشون مغيبين في عوالم الفيسبوك وانستغرام وتويتر يتبادلون السلفي، الطبقات الاكثر غنى تستعمل وسائل إضافية مكلفة شيئا ما، نتحدث هنا عن سهرات البلاي ستايشن والإكسبوكس.
الاباء يعرفون اخر تحديثات البلاي ستايشن فهو من يدفع اثمنتها الغالية، الأمهات يعرفن ثمن الهواتف الذكية لجميع الماركات، كيف لا و كل هذه الرغبات تمت تلبيتها لغرض واحد ووحيد، أن توفر الظروف الكفيلة لفلذة الكبد في التحصيل، لن أخوض في شعبوية مقيتة و أبدأ في انتقاد التكنولوجيا و سب مواقع التواصل و الحديث بكلام لا يطبقه أحد بضرورة ترشيد استخدام السمارتفون و تحديد ساعات معينة لاستعمال الألعاب الإلكترونية، الأمر خارج تماما عن سيطرة دول غربية انفقت الكثير من أجل خلق أجيال ذات مناعة ضد اشكال الإدمان و تربية شخصية بشكل سليم، فما بالك بمجتمعاتنا التي تنمو فيها أجيال كاملة بالصدفة، لا مجال لمحاولة التصدي لهذه الهيمنة على الأقل في السنوات المقبلة، كلام مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأحزاب و الجمعيات و الإعلام يمحوه في رمشة عين فيديو شبابي يحقق ملايين المشاهدات خلال أسبوع بينما يقبع فيديو تحسيسي وضع منذ سنوات في عدد المشاهدات المحدد في 301،
عودة إلى سؤال ابنك في البكالوريا ماذا تختار؟ هل تعلم أيها الاب أنه ليس من حقك أن تختار، لست أنت من يجب أن يختار، ذلك الشاب الذي تعتبره طفلا قد كبر و نضج، لا يعني أنك تراه دائما صغيرا و قاصرا وتوصله صباح مساء للمدرسة أنه لا يحق له أن يختار، هل سألت نفسك و أنت تستقبله في باب الثانوية مباشرة الى معهد الانجليزية ومنه الى الساعات الاضافية ثم المسبح فالموسيقى إن كنت تلبي رغباته أم أنك تنتقم لماض من الحرمان ربما، أو عنادا لجار أو صديق، هل سألت نفسك وأنت تخطط لابنك أن يتابع دراسته في الطب إن كان لمصلحة ابنك أو أنك تريد بكل أنانية أن يقال أن ابن فلان طبيب، أو مهندس المهنتان الأكثر تداولا بين الالسن في الرغبات التي يعبر عنها الإباء.
هل تعلم وأنت تفرض على ابنك دراسة الرياضيات و الفيزياء و معادلاته المعقدة وتدعمه بكثير من الساعات الإضافية في سوق سوداء مفتوحة على كثير من المخاطر، أن ابنك ربما قد يكون ميوله أدبيا فكم من طبيب وجد نفسه مضطرا بعد تخرجه الى البحث عن ذاته التي خطفت منه بين جبال من الاوراق و البحوث لم يكن يسايرها الا مضطرا بحكم المنافسة بين أقرانه، وكم من مهندس انتهى به الامر في إحدى الوظائف التي لا علاقة لها بتخصصه، ليس لأن الدولة لا تقيم الكفاءات بل لأن امكاناته محدودة جدا و هندسته لا تتعدى الحفظ و لا تتجاوزه الى الابتكار، التخصص الادبي والذي يفرز القاضي و المحامي وهي مهن جد محترمة، غير أن لجوء السواد الأعظم من التلاميذ المحدودي الإمكانات لهذا التوجه الأدبي كون حوله تمثلات سلبية جعلت منه ملجأ من لا ملجأ له، أتذكر دائما أن المجالس التي نعقدها في اخر السنة لتحديد توجيه التلاميذ ذلك الجواب الذي يخلص إليه بعض الأعضاء و هم يقيمون نتائج تلميذ أقل من المتوسط حيث يكون الجواب بأن هذا التلميذ لا يستطيع أن يساير في العلوم يجب توجيهه إلى الأداب وهنا السؤال: وهل يستطيع أصلا المسايرة في الاداب، سؤال جوابه واضح، التلميذ ليس له أي بروفيل أصلا و هذا ما يجب العمل عليه من البداية، أي الإشتغال على مشروع واضح لهذا التلميذ بعيدا عن الأحكام الجاهزة والتمثلات الخاطئة وهذا دور الأسرة بالأساس وبعده تأتي المدرسة، أين نحن من تلاميذ السنوات القليلة الماضية أين نحن من تلميذة قالت بكل ثقة لقد تأثرت بوفاة والدي العسكري أمامي وسأصبح طبيبة، لم تقل أريد أن أصبح طبيبة بل قالتها بكل ثقة وهي الان تزاول مهنتها، أين نحن من التلميذة التي سألتني عن الأوليغارشية وعمرها 15 سنة و التلميذة التي كتبت موضوعا عن فلسطين فيه حقائق كان أستاذها يجهلها أين نحن من التلميذة التي سألت عن القوى الصاعدة و القوى الضاغطة من منظور فلسفي و فزيائي نماذج لا شك أن كل من مارس التدريس يمكن أن يسرد لنا أمثلة عنها وأكيد أنه يحفظ أسماءهم رغم السنين الطويلة كما أحفظها الان، والأكيد أن جزء كبير هؤلاء التلاميذ كونوا رصيدهم هذا من خلال أسرهم من خلال اباءهم و من خلال مكتبة البيت، هذه المكتبة التي انقرضت من بيوتنا ليحل محلها ذلك الأثاث الغالي الثمن الفاقد لأي قيمة، هل تعلم أيها الأب أن مكتبة في البيت تغنيك عن تلك المصاريف التي تهدرها في الساعات الإضافية، تابعوا أبناءكم منذ الصغر صححوا مساراتهم بذكاء و ليس بعناد ابنك ليس بالضرورة صورة طبق الأصل منك و ليس أيضا مشروع حلم تريد أن تحققه من خلاله، ابنك شخصية مستقلة تماما لها ميولات خاصة وله بالأساس مؤهلات و قدرات قد تكون محدودة جدا فلا تغرك أبدا تلك النقط الصاروخية التي يحصل عليها في الفروض شبه المحروسة في مؤسسات التعليم الخاص و العام وتجعلها محددا ومعيارا لتقييم أداء إبنك
- من إعداد حسن العيساتي - مستشار في التوجيه التربوي
حسن العيساتي
تعمدت أن أتوجه بسؤالي هذا للآباء خلافا لما اعتدت القيام بها خلال مزاولتي لعملي من التوجه للتلاميذ وسؤالهم عن اختياراتهم وميولاتهم وبالتالي مساعدتهم على التوجيه الصحيح بالنسبة إليهم.
الاباء خلال هذه الفترة من السنة يعانون أكثر من أبنائهم، الابناء لا يعانون أغلبهم غارق في عوالم افتراضية: المنتمون الى الطبقات المتوسطة منهم يكتفون بهواتف ذكية ويعيشون مغيبين في عوالم الفيسبوك وانستغرام وتويتر يتبادلون السلفي، الطبقات الاكثر غنى تستعمل وسائل إضافية مكلفة شيئا ما، نتحدث هنا عن سهرات البلاي ستايشن والإكسبوكس.
الاباء يعرفون اخر تحديثات البلاي ستايشن فهو من يدفع اثمنتها الغالية، الأمهات يعرفن ثمن الهواتف الذكية لجميع الماركات، كيف لا و كل هذه الرغبات تمت تلبيتها لغرض واحد ووحيد، أن توفر الظروف الكفيلة لفلذة الكبد في التحصيل، لن أخوض في شعبوية مقيتة و أبدأ في انتقاد التكنولوجيا و سب مواقع التواصل و الحديث بكلام لا يطبقه أحد بضرورة ترشيد استخدام السمارتفون و تحديد ساعات معينة لاستعمال الألعاب الإلكترونية، الأمر خارج تماما عن سيطرة دول غربية انفقت الكثير من أجل خلق أجيال ذات مناعة ضد اشكال الإدمان و تربية شخصية بشكل سليم، فما بالك بمجتمعاتنا التي تنمو فيها أجيال كاملة بالصدفة، لا مجال لمحاولة التصدي لهذه الهيمنة على الأقل في السنوات المقبلة، كلام مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأحزاب و الجمعيات و الإعلام يمحوه في رمشة عين فيديو شبابي يحقق ملايين المشاهدات خلال أسبوع بينما يقبع فيديو تحسيسي وضع منذ سنوات في عدد المشاهدات المحدد في 301،
عودة إلى سؤال ابنك في البكالوريا ماذا تختار؟ هل تعلم أيها الاب أنه ليس من حقك أن تختار، لست أنت من يجب أن يختار، ذلك الشاب الذي تعتبره طفلا قد كبر و نضج، لا يعني أنك تراه دائما صغيرا و قاصرا وتوصله صباح مساء للمدرسة أنه لا يحق له أن يختار، هل سألت نفسك و أنت تستقبله في باب الثانوية مباشرة الى معهد الانجليزية ومنه الى الساعات الاضافية ثم المسبح فالموسيقى إن كنت تلبي رغباته أم أنك تنتقم لماض من الحرمان ربما، أو عنادا لجار أو صديق، هل سألت نفسك وأنت تخطط لابنك أن يتابع دراسته في الطب إن كان لمصلحة ابنك أو أنك تريد بكل أنانية أن يقال أن ابن فلان طبيب، أو مهندس المهنتان الأكثر تداولا بين الالسن في الرغبات التي يعبر عنها الإباء.
هل تعلم وأنت تفرض على ابنك دراسة الرياضيات و الفيزياء و معادلاته المعقدة وتدعمه بكثير من الساعات الإضافية في سوق سوداء مفتوحة على كثير من المخاطر، أن ابنك ربما قد يكون ميوله أدبيا فكم من طبيب وجد نفسه مضطرا بعد تخرجه الى البحث عن ذاته التي خطفت منه بين جبال من الاوراق و البحوث لم يكن يسايرها الا مضطرا بحكم المنافسة بين أقرانه، وكم من مهندس انتهى به الامر في إحدى الوظائف التي لا علاقة لها بتخصصه، ليس لأن الدولة لا تقيم الكفاءات بل لأن امكاناته محدودة جدا و هندسته لا تتعدى الحفظ و لا تتجاوزه الى الابتكار، التخصص الادبي والذي يفرز القاضي و المحامي وهي مهن جد محترمة، غير أن لجوء السواد الأعظم من التلاميذ المحدودي الإمكانات لهذا التوجه الأدبي كون حوله تمثلات سلبية جعلت منه ملجأ من لا ملجأ له، أتذكر دائما أن المجالس التي نعقدها في اخر السنة لتحديد توجيه التلاميذ ذلك الجواب الذي يخلص إليه بعض الأعضاء و هم يقيمون نتائج تلميذ أقل من المتوسط حيث يكون الجواب بأن هذا التلميذ لا يستطيع أن يساير في العلوم يجب توجيهه إلى الأداب وهنا السؤال: وهل يستطيع أصلا المسايرة في الاداب، سؤال جوابه واضح، التلميذ ليس له أي بروفيل أصلا و هذا ما يجب العمل عليه من البداية، أي الإشتغال على مشروع واضح لهذا التلميذ بعيدا عن الأحكام الجاهزة والتمثلات الخاطئة وهذا دور الأسرة بالأساس وبعده تأتي المدرسة، أين نحن من تلاميذ السنوات القليلة الماضية أين نحن من تلميذة قالت بكل ثقة لقد تأثرت بوفاة والدي العسكري أمامي وسأصبح طبيبة، لم تقل أريد أن أصبح طبيبة بل قالتها بكل ثقة وهي الان تزاول مهنتها، أين نحن من التلميذة التي سألتني عن الأوليغارشية وعمرها 15 سنة و التلميذة التي كتبت موضوعا عن فلسطين فيه حقائق كان أستاذها يجهلها أين نحن من التلميذة التي سألت عن القوى الصاعدة و القوى الضاغطة من منظور فلسفي و فزيائي نماذج لا شك أن كل من مارس التدريس يمكن أن يسرد لنا أمثلة عنها وأكيد أنه يحفظ أسماءهم رغم السنين الطويلة كما أحفظها الان، والأكيد أن جزء كبير هؤلاء التلاميذ كونوا رصيدهم هذا من خلال أسرهم من خلال اباءهم و من خلال مكتبة البيت، هذه المكتبة التي انقرضت من بيوتنا ليحل محلها ذلك الأثاث الغالي الثمن الفاقد لأي قيمة، هل تعلم أيها الأب أن مكتبة في البيت تغنيك عن تلك المصاريف التي تهدرها في الساعات الإضافية، تابعوا أبناءكم منذ الصغر صححوا مساراتهم بذكاء و ليس بعناد ابنك ليس بالضرورة صورة طبق الأصل منك و ليس أيضا مشروع حلم تريد أن تحققه من خلاله، ابنك شخصية مستقلة تماما لها ميولات خاصة وله بالأساس مؤهلات و قدرات قد تكون محدودة جدا فلا تغرك أبدا تلك النقط الصاروخية التي يحصل عليها في الفروض شبه المحروسة في مؤسسات التعليم الخاص و العام وتجعلها محددا ومعيارا لتقييم أداء إبنك
- من إعداد حسن العيساتي - مستشار في التوجيه التربوي