حوار مع علي بوهوش إطار مغربي في التوجيه التربوي بكندا
اجرى الحوار موقع افني ديريكت
من بوابة التوجيه التربوي ، يطل علي بوهوش لكي يضيء ما خفي منها مادامت غير معروفة لأناس كثيرين يجهلون دورها و قيمتها.. ومن البوابة ذاتها ينتقل بنا عبر الآفاق التي يراها من منظور الباحث العلمي أولا و الممارس التربوي ثانيا..
نشكره كثيرا على الوقت الذي خصصه لحوارنا رغم فارق التوقيت!
السؤال الأول: أستاذ علي بهوش٬ عملت لسنوات في حقل التعليم بالمغرب أستاذا موجها قبل رحيلك لكندا لاستكمال تكوينك في مجال التوجيه نظريا وعمليا.
هل تغير منظورك للتوجيه المدرسي بعد سنوات من البحث والتكوين بكندا؟
بداية٬ وقبل الشروع في التفاعل مع هذا الحوار أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لجريدة افني نيشان direct وطاقمها على انفتاحها على أبناء الإقليم في مختلف المجالات. وأثمن فكرة هذه الحوارات مع أطر الإقليم والجهة المنتشرين عبرالعالم سواء كانوا باحثين او مهنيين او فاعلين اقتصاديين في افق تكوين هيئة تجمع كل هؤلاء يكون هدفها تقديم ا لدعم والمشورة والاقتراحات للفاعلين والمنتخبين المحليين كمساهمة منها في المجهود الجماعي للنهوض بالإقليم وتجاوز مشاكله . فمرة أخرى شكرا لكم على هذا الحوار.
الجواب:
بالفعل اشتغلت استاذا ثم مستشارا في التوجيه التربوي ولكن كنت دائما من خلال تكويني الأساسي بمركز التوجيه التربوي أؤمن أن التوجيه كيف ماهو ممارس بمدارسنا لا يجب حصره في إيصال المعلومة حول الدراسة والتكوين الى التلميذ. وبالفعل بعد التحاقي بجامعة شيربروك المعروفة بالتكوين في هذا المجال ومن خلال الدروس النظرية والتطبيقية ترسخت لدي فكرة كون التوجيه المدرسي والمهني هو أعمق وأوسع من مجرد إيصال المعلومة المدرسية والمهنية بحيث إن التكوين والتداريب المواكبة له يعدان مستشار التوجيه ليكون ذلك المهني الذي يواكب الفرد طيلة مساره التكويني والمهني كلما كان هناك خلل في ديناميكية
علاقته (الفرد) بالعمل والتكوين . لهذا نجد ان التوجيه لايمارس هنا فقط في مؤسسات التربية والتكوين بل أيضا في المقاولات.
من هنا أصبح منظوري للتوجيه في مؤسسات التربية مقرونا بمواكبة نمو التلميذ على المستوى الوجداني والفكري والنفسي والاجتماعي وليس فقط النضج الميولي la maturité vocationnelle حتى يكون قادرا على تجاوز كل أزمات نموه وما يصاحبها من اضطرابات ومشاكل نفسية قد تؤثر على مشواره الدراسي نظرا للتساؤلات التي يطرحها هذا النمو لديه ونحن نعرف ان مرحلة المراهقة والشباب هما مرحلتا أزمات النمو والتساؤلات حول الهوية والأدوار بامتياز.
السؤال الثاني: هل نستطيع اجراء مقارنة بين التجربتين المغربية والكندية في مجال التوجيه وإعادة التوجيه؟
الجواب:
دعني أوضح لك انه ليس لدي المام بالتوجيه في كندا كلها وما اتحدث عنه هنا هو التوجيه في مقاطعة الكيبيك لان لكل مقاطعة كندية نظامها ولكن تبقى المرجعيات النظرية المؤطرة له واحدة. المقارنة بين التجربتين المغربية والكندية في هذا المجال صعبة وغير واقعية باعتبار أن تاريخ التوجيه وفلسفته وترجمة هذه الفلسفة على ارض الواقع في كلي البلدين مختلفة تماما وهذا طبيعي. فتاريخ التوجيه بكندا هو تاريخ التوجيه بأمريكا الشمالية التي ظهر بها هذا العلم منذ بداية القرن العشرين وبالتالي فإن تجربة كندا عموما هي من التجارب الغنية والمرجعية على الصعيد العالمي في هذا الميدان.
اما بخصوص الفلسفة فهي أيضا تغيرت بحيث لم يعد ينظر للتوجيه على انه ذلك القرار المهني الذي يتخذه الفرد في بداية حياته ويستمر بموجبه في مسار مهني وحيد الى غاية حصوله على التقاعد بل أصبح التوجيه عملية تساعد الفرد على تدبير المراحل الانتقالية في حياته ومواجهة التحديات التي تفرضها تقلبات سوق الشغل والتأقلم في العمل والدراسة بل حتى الترتيب لمرحلة التقاعد أي التوجيه مدى الحياة.
هذه الفلسفة انعكست على وسائل وتقنيات وطرق ومجالات ممارسة التوجيه والموارد المالية والبشرية المرصودة له. اما في المغرب فقد جعل ميثاق التربية والتكوين التوجيه جزء من العملية التربوية ولكنه بقي منحصرا في المؤسسة التعلمية ومازال مقزما في عمليات محدودة زمانا ومكانا مرتبطة بالإعلام حول الدراسة والمهن رغم المجهودات المبذولة من طرف اطر التوجيه لتجاوز هذه الوضع. اما خارج المدرسة فلا يعرف من يمارسه وكيف وتحت أي اسم نظرا لعدم تقنين المهنة تكوينا وممارسة كماهو حال العديد من المهن التي تمارس تحت يافطة التدريب والتطوير الشخصي وغيرهما.
السؤال الثالث: التوجيه السليم والملتزم بالمعايير العلمية٬ يصنع متفوقين دراسيا٬ ولا يصنع مردودا اقتصاديا أو اجتماعيا؟ ما حدود صحة هذا الطرح في الدول المتخلفة (المغرب نموذجا) وفي الدول المتقدمة؟
الجواب:
تولي الدول أهمية كبرى للتوجيه التربوي والمهني على اعتبار انه يساعد الفرد/ المواطن على إيجاد المكان المناسب له في المجتمع حسب قدراته وميولاته واستحقاقه حتى يكون بمقدوره أداء الدور المنتظر منه في بناء المجتمع اقتصاديا واجتماعيا.
وعلى الرغم من انعدام وجود إجماع حول مفهوم التوجيه السليم عند المختصين٬ فإن هناك من يربطه بتحقيق التفوق الدراسي للتلاميذ. غير انه في الكيبيك يعتبرون ان التوجيه السليم هو ذلك الذي يحقق النجاح التربوي على اعتبار ان هذا الأخير أشمل وأهم من التفوق والنجاح المدرسيين. فإذا كان النجاح المدرسي يقاس بالنتائج الدراسية والحصول على الشهادة او الدبلوم فإن النجاح التربوي للمتعلم بحسب المجلس الأعلى للتربية الكيبيكي يحيل على مفهوم المشروع الشخصي الذي يحقق به المتعلم ذاته وتطوره الشخصي ونضجه المهني وهذه هي العناصر الحاسمة في تأهيله للاندماج بنجاح مهنيا واجتماعيا في المجتمع. على ضوء هذه المقارنة بين التفوق الدراسي والنجاح التربوي يمكن ان نجد بعضا من مظاهر محدودية دور التوجيه السليم في مساعدة مؤسسات التربية والتكوين في بلدنا على إعداد موارد بشرية بإمكانها ان تصنع مردودا اقتصاديا واجتماعيا في مجتمعها.
ومن مظاهر هذه المحدودية عدم ملاءمة مخرجات التكوين للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة فمؤسسات التكوين لا تراعي إن كانت شواهد خريجيها تلبي حاجيات الاقتصاد الوطني بل ان قليلا ما تجد في برنامج التكوين حصصا تعنى بإعداد الطالب
للاندماج في الحياة المهنية وسوق الشغل أي انها لا تهتم الا بنجاحه او تفوقه الدراسي.
بالإضافة الى هذا نجد بطالة خريجي الجامعات إذ ان اعلى نسبة للبطالة مسجلة عند الحاصلين على الشواهد الجامعية وأدناها عند الذين لا يتوفرون على أي شهادة مدرسية كما أن العديد من الأنشطة الاقتصادية لازالت تمارس بطرق تقليدية ولم تجد بعد من يطورها وأخرى لازالت غير مهيكلة. لكنه لا بد من التنبيه الى أنه لا يمكن ان نرد كل هذه المشاكل الى التوجيه السليم او التوجيه السقيم لان التوجيه يبقى في نهاية المطاف جزء من منظومة عامة متعددة الأجزاء٬ كثيرة الاختلالات وشديدة التأثر بما يجري في منظومات المجتمع الأخرى.
السؤال الرابع: الأستاذ الموجه٬ او المدرس الموجه٬ هو مصطلح ورد في إحدى مذكرات وزارة التربية الوطنية المغربية مفاده إلزام المدرس بعبء زائد على التعليم هو توجيه ومصاحبة تلاميذه حتى يجنبهم التوجيه الخاطئ في المسار الدراسي.
ما رأيك في هذا التوجه. الذي دار حوله نقاش حاد بين طائفة الرافضين وطائفة المدافعين؟
الجواب:
اعتقد ان المدرس هو موجه بطبيعة عمله الى جانب تلاميذه ولا يحتاج الى مذكرة تلزمه بذلك بل إلى مواكبة تبين له هذا الجانب في عمله حتى يصبح واعيا به ومدركا له لتتبدد مخاوفه. انني اتفهم تخوف الأساتذة من مقتضيات تلك المذكرة وما يدور حول دورهم في التوجيه نظرا لثقل مهمة التدريس تحضيرا وإنجازا وتقييما ولكن عندما نأخذ الوقت لتوحيد الرؤية وتقريب مفهوم التوجيه بالمعنى التربوي لهم سيدركون ان هذا لن يشكل عبئا إضافيا عليهم بالشكل الذي يتخيلونه بل يمكن ان يساعدهم على تحفيز تلاميذهم وتقريب المادة المدرسة لهم بإيجاد تطبيقات لمضامينها في حياتهم اليومية او المهنية أي تصبح تعلماتهم ذات معنى. مثلا أستاذ الرياضيات الذي يجعل من مبدأ صناعة اليوغورت (الرايب) مقدمة وتطبيقا لدرسه حول الدالة الأسية او يستدعي مختصا في التأمين ليشرح كيف يستعمل الإحصاء والاحتمالات في ميدان اشتغاله سيجعل التلاميذ يكتشفون تطبيقات عملية ومهنية لما يدرسونه في بعض الأنشطة الاقتصادية والمهنية او اكتشاف بعض المهن وشروط ممارستها. بطبيعة الحال هناك من سيقول ان هناك اكراهات مرتبطة بالاكتظاظ وطول المقرر وعدم تفاعل إدارة المؤسسة والمفتش تحول دون القيام بمثل هذه الأشياء ولكن التوجيه لا يهتم فقط بتعريف التلميذ بالمهن بل يركز أولا على ان يعرف ذاته من حيث الميولات والقدرات ونمط شخصيته وأسلوب تعلمه وهنا يمكن للأستاذ ان يساعد التلميذ على اكتشاف هذه العناصر في ذاته من خلال إجراءات بسيطة مثلا ان يطلب منه بعد قراءة قصة ان يجرد بعض مميزات شخصياتها وماهي المميزات التي يتمنى ان تكون لديه او التي لا يحب ان تكون لديه وماهو الدور الذي يحب ان يكون له في القصة إن كان من شخصياتها ودفعه بعد ذلك للتأمل في ذلك لربطه بسلوكه ومواقفه اليومية. في نظري أقل شيء يمكن للمدرس القيام به هو ان يطلب من التلاميذ القيام بتأمل محتويات المادة او درس معين وتحديد تلك التي نالت ميولهم وفضولهم ومن تم ربطها بأسلوب تعلمهم او بعض خصائصهم الفردية.
يقينا أن أنشطة مثل هذه تتطلب تنسيقا بين مستشار التوجيه والأساتذة فيما بينهم حتى يكون عملهم متكاملا بحيث يستثمر الموجه هذه المعلومات في مقابلته مع التلميذ من اجل تعميقها ومقارنتها بنتائج رائز الشخصية او الميولات مثلا. اذن الأستاذ الموجه بالمنظور الذي تطرقت له يعدا إيجابيا في نظري ولعلمك وجدت هذا النقاش هنا بالكيبيك منذ إلغاء مادة التربية على الاختيارات من المنهاج الدراسي واعتماد المقاربة الموجهة سنة 2000 ومرد ذلك الى عدم توحيد الرؤية وطريقة تطبيق المقاربة الموجهة رغم ان التربية على الاختيارات كانت في الغالب يدرسها أساتذة ومازال الأساتذة يدرسون مقرر مشروع التوجيه الشخصي واستكشاف التكوين المهني الذين جاء بهما المنهاج الجديد للمدرسة الكيبيكية لبعض الفئات من التلاميذ.
السؤال الخامس: بعد إلمامك بالتجربة الكيبيكية في التوجيه المدرسي أو قل التوجيه الدراسي عموما. هل يمكن تنزيلها في منظومتي التعليم والتكوين المهني بالمغرب في الوقت الراهن؟
الجواب:
لكل منظومة تربوية وتكوينية غاياتها وأهدافها. ونظام التوجيه الية من آليات بلوغ هذه الغايات والاهداف لذلك من الصعب ضمان نجاح تنزيل نظام التوجيه الكيبيكي في منظومة التربية والتكوين المهني بالمغرب لاختلاف اهداف وغايات المنظومتين. لكن وكما نعلم ان منظومة التربية والتكوين مرتبطة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد في كل مجتمع وهذا النظام هو الُموِّلد لتلك الديناميكية التي تنشأ بين الأفراد وفرص التكوين وفرص الشغل والاندماج المهني المتاحة لهم وحيث أن التوجيه هو تلك الآلية التي يمكن ان تساعد هؤلاء الافراد على استغلال تلك الفرص واختيار الأنسب لحاجياتهم . غير أنه يمكن الاستئناس بالمبادئ والاسس النظرية المؤطرة للتوجيه بالكيبيك وملاءمة بعض أدواته التطبيقية لبناء وتحسين نظام التوجيه المغربي ليكون أكثر فعالية ويؤدي الدور المنتظر منه في منظومتنا التربوية والتكوينية.
حاوره ذ أحمد الزاهد
افني ديريكت ifnidirect.com
من بوابة التوجيه التربوي ، يطل علي بوهوش لكي يضيء ما خفي منها مادامت غير معروفة لأناس كثيرين يجهلون دورها و قيمتها.. ومن البوابة ذاتها ينتقل بنا عبر الآفاق التي يراها من منظور الباحث العلمي أولا و الممارس التربوي ثانيا..
نشكره كثيرا على الوقت الذي خصصه لحوارنا رغم فارق التوقيت!
السؤال الأول: أستاذ علي بهوش٬ عملت لسنوات في حقل التعليم بالمغرب أستاذا موجها قبل رحيلك لكندا لاستكمال تكوينك في مجال التوجيه نظريا وعمليا.
هل تغير منظورك للتوجيه المدرسي بعد سنوات من البحث والتكوين بكندا؟
بداية٬ وقبل الشروع في التفاعل مع هذا الحوار أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لجريدة افني نيشان direct وطاقمها على انفتاحها على أبناء الإقليم في مختلف المجالات. وأثمن فكرة هذه الحوارات مع أطر الإقليم والجهة المنتشرين عبرالعالم سواء كانوا باحثين او مهنيين او فاعلين اقتصاديين في افق تكوين هيئة تجمع كل هؤلاء يكون هدفها تقديم ا لدعم والمشورة والاقتراحات للفاعلين والمنتخبين المحليين كمساهمة منها في المجهود الجماعي للنهوض بالإقليم وتجاوز مشاكله . فمرة أخرى شكرا لكم على هذا الحوار.
الجواب:
بالفعل اشتغلت استاذا ثم مستشارا في التوجيه التربوي ولكن كنت دائما من خلال تكويني الأساسي بمركز التوجيه التربوي أؤمن أن التوجيه كيف ماهو ممارس بمدارسنا لا يجب حصره في إيصال المعلومة حول الدراسة والتكوين الى التلميذ. وبالفعل بعد التحاقي بجامعة شيربروك المعروفة بالتكوين في هذا المجال ومن خلال الدروس النظرية والتطبيقية ترسخت لدي فكرة كون التوجيه المدرسي والمهني هو أعمق وأوسع من مجرد إيصال المعلومة المدرسية والمهنية بحيث إن التكوين والتداريب المواكبة له يعدان مستشار التوجيه ليكون ذلك المهني الذي يواكب الفرد طيلة مساره التكويني والمهني كلما كان هناك خلل في ديناميكية
علاقته (الفرد) بالعمل والتكوين . لهذا نجد ان التوجيه لايمارس هنا فقط في مؤسسات التربية والتكوين بل أيضا في المقاولات.
من هنا أصبح منظوري للتوجيه في مؤسسات التربية مقرونا بمواكبة نمو التلميذ على المستوى الوجداني والفكري والنفسي والاجتماعي وليس فقط النضج الميولي la maturité vocationnelle حتى يكون قادرا على تجاوز كل أزمات نموه وما يصاحبها من اضطرابات ومشاكل نفسية قد تؤثر على مشواره الدراسي نظرا للتساؤلات التي يطرحها هذا النمو لديه ونحن نعرف ان مرحلة المراهقة والشباب هما مرحلتا أزمات النمو والتساؤلات حول الهوية والأدوار بامتياز.
السؤال الثاني: هل نستطيع اجراء مقارنة بين التجربتين المغربية والكندية في مجال التوجيه وإعادة التوجيه؟
الجواب:
دعني أوضح لك انه ليس لدي المام بالتوجيه في كندا كلها وما اتحدث عنه هنا هو التوجيه في مقاطعة الكيبيك لان لكل مقاطعة كندية نظامها ولكن تبقى المرجعيات النظرية المؤطرة له واحدة. المقارنة بين التجربتين المغربية والكندية في هذا المجال صعبة وغير واقعية باعتبار أن تاريخ التوجيه وفلسفته وترجمة هذه الفلسفة على ارض الواقع في كلي البلدين مختلفة تماما وهذا طبيعي. فتاريخ التوجيه بكندا هو تاريخ التوجيه بأمريكا الشمالية التي ظهر بها هذا العلم منذ بداية القرن العشرين وبالتالي فإن تجربة كندا عموما هي من التجارب الغنية والمرجعية على الصعيد العالمي في هذا الميدان.
اما بخصوص الفلسفة فهي أيضا تغيرت بحيث لم يعد ينظر للتوجيه على انه ذلك القرار المهني الذي يتخذه الفرد في بداية حياته ويستمر بموجبه في مسار مهني وحيد الى غاية حصوله على التقاعد بل أصبح التوجيه عملية تساعد الفرد على تدبير المراحل الانتقالية في حياته ومواجهة التحديات التي تفرضها تقلبات سوق الشغل والتأقلم في العمل والدراسة بل حتى الترتيب لمرحلة التقاعد أي التوجيه مدى الحياة.
هذه الفلسفة انعكست على وسائل وتقنيات وطرق ومجالات ممارسة التوجيه والموارد المالية والبشرية المرصودة له. اما في المغرب فقد جعل ميثاق التربية والتكوين التوجيه جزء من العملية التربوية ولكنه بقي منحصرا في المؤسسة التعلمية ومازال مقزما في عمليات محدودة زمانا ومكانا مرتبطة بالإعلام حول الدراسة والمهن رغم المجهودات المبذولة من طرف اطر التوجيه لتجاوز هذه الوضع. اما خارج المدرسة فلا يعرف من يمارسه وكيف وتحت أي اسم نظرا لعدم تقنين المهنة تكوينا وممارسة كماهو حال العديد من المهن التي تمارس تحت يافطة التدريب والتطوير الشخصي وغيرهما.
السؤال الثالث: التوجيه السليم والملتزم بالمعايير العلمية٬ يصنع متفوقين دراسيا٬ ولا يصنع مردودا اقتصاديا أو اجتماعيا؟ ما حدود صحة هذا الطرح في الدول المتخلفة (المغرب نموذجا) وفي الدول المتقدمة؟
الجواب:
تولي الدول أهمية كبرى للتوجيه التربوي والمهني على اعتبار انه يساعد الفرد/ المواطن على إيجاد المكان المناسب له في المجتمع حسب قدراته وميولاته واستحقاقه حتى يكون بمقدوره أداء الدور المنتظر منه في بناء المجتمع اقتصاديا واجتماعيا.
وعلى الرغم من انعدام وجود إجماع حول مفهوم التوجيه السليم عند المختصين٬ فإن هناك من يربطه بتحقيق التفوق الدراسي للتلاميذ. غير انه في الكيبيك يعتبرون ان التوجيه السليم هو ذلك الذي يحقق النجاح التربوي على اعتبار ان هذا الأخير أشمل وأهم من التفوق والنجاح المدرسيين. فإذا كان النجاح المدرسي يقاس بالنتائج الدراسية والحصول على الشهادة او الدبلوم فإن النجاح التربوي للمتعلم بحسب المجلس الأعلى للتربية الكيبيكي يحيل على مفهوم المشروع الشخصي الذي يحقق به المتعلم ذاته وتطوره الشخصي ونضجه المهني وهذه هي العناصر الحاسمة في تأهيله للاندماج بنجاح مهنيا واجتماعيا في المجتمع. على ضوء هذه المقارنة بين التفوق الدراسي والنجاح التربوي يمكن ان نجد بعضا من مظاهر محدودية دور التوجيه السليم في مساعدة مؤسسات التربية والتكوين في بلدنا على إعداد موارد بشرية بإمكانها ان تصنع مردودا اقتصاديا واجتماعيا في مجتمعها.
ومن مظاهر هذه المحدودية عدم ملاءمة مخرجات التكوين للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة فمؤسسات التكوين لا تراعي إن كانت شواهد خريجيها تلبي حاجيات الاقتصاد الوطني بل ان قليلا ما تجد في برنامج التكوين حصصا تعنى بإعداد الطالب
للاندماج في الحياة المهنية وسوق الشغل أي انها لا تهتم الا بنجاحه او تفوقه الدراسي.
بالإضافة الى هذا نجد بطالة خريجي الجامعات إذ ان اعلى نسبة للبطالة مسجلة عند الحاصلين على الشواهد الجامعية وأدناها عند الذين لا يتوفرون على أي شهادة مدرسية كما أن العديد من الأنشطة الاقتصادية لازالت تمارس بطرق تقليدية ولم تجد بعد من يطورها وأخرى لازالت غير مهيكلة. لكنه لا بد من التنبيه الى أنه لا يمكن ان نرد كل هذه المشاكل الى التوجيه السليم او التوجيه السقيم لان التوجيه يبقى في نهاية المطاف جزء من منظومة عامة متعددة الأجزاء٬ كثيرة الاختلالات وشديدة التأثر بما يجري في منظومات المجتمع الأخرى.
السؤال الرابع: الأستاذ الموجه٬ او المدرس الموجه٬ هو مصطلح ورد في إحدى مذكرات وزارة التربية الوطنية المغربية مفاده إلزام المدرس بعبء زائد على التعليم هو توجيه ومصاحبة تلاميذه حتى يجنبهم التوجيه الخاطئ في المسار الدراسي.
ما رأيك في هذا التوجه. الذي دار حوله نقاش حاد بين طائفة الرافضين وطائفة المدافعين؟
الجواب:
اعتقد ان المدرس هو موجه بطبيعة عمله الى جانب تلاميذه ولا يحتاج الى مذكرة تلزمه بذلك بل إلى مواكبة تبين له هذا الجانب في عمله حتى يصبح واعيا به ومدركا له لتتبدد مخاوفه. انني اتفهم تخوف الأساتذة من مقتضيات تلك المذكرة وما يدور حول دورهم في التوجيه نظرا لثقل مهمة التدريس تحضيرا وإنجازا وتقييما ولكن عندما نأخذ الوقت لتوحيد الرؤية وتقريب مفهوم التوجيه بالمعنى التربوي لهم سيدركون ان هذا لن يشكل عبئا إضافيا عليهم بالشكل الذي يتخيلونه بل يمكن ان يساعدهم على تحفيز تلاميذهم وتقريب المادة المدرسة لهم بإيجاد تطبيقات لمضامينها في حياتهم اليومية او المهنية أي تصبح تعلماتهم ذات معنى. مثلا أستاذ الرياضيات الذي يجعل من مبدأ صناعة اليوغورت (الرايب) مقدمة وتطبيقا لدرسه حول الدالة الأسية او يستدعي مختصا في التأمين ليشرح كيف يستعمل الإحصاء والاحتمالات في ميدان اشتغاله سيجعل التلاميذ يكتشفون تطبيقات عملية ومهنية لما يدرسونه في بعض الأنشطة الاقتصادية والمهنية او اكتشاف بعض المهن وشروط ممارستها. بطبيعة الحال هناك من سيقول ان هناك اكراهات مرتبطة بالاكتظاظ وطول المقرر وعدم تفاعل إدارة المؤسسة والمفتش تحول دون القيام بمثل هذه الأشياء ولكن التوجيه لا يهتم فقط بتعريف التلميذ بالمهن بل يركز أولا على ان يعرف ذاته من حيث الميولات والقدرات ونمط شخصيته وأسلوب تعلمه وهنا يمكن للأستاذ ان يساعد التلميذ على اكتشاف هذه العناصر في ذاته من خلال إجراءات بسيطة مثلا ان يطلب منه بعد قراءة قصة ان يجرد بعض مميزات شخصياتها وماهي المميزات التي يتمنى ان تكون لديه او التي لا يحب ان تكون لديه وماهو الدور الذي يحب ان يكون له في القصة إن كان من شخصياتها ودفعه بعد ذلك للتأمل في ذلك لربطه بسلوكه ومواقفه اليومية. في نظري أقل شيء يمكن للمدرس القيام به هو ان يطلب من التلاميذ القيام بتأمل محتويات المادة او درس معين وتحديد تلك التي نالت ميولهم وفضولهم ومن تم ربطها بأسلوب تعلمهم او بعض خصائصهم الفردية.
يقينا أن أنشطة مثل هذه تتطلب تنسيقا بين مستشار التوجيه والأساتذة فيما بينهم حتى يكون عملهم متكاملا بحيث يستثمر الموجه هذه المعلومات في مقابلته مع التلميذ من اجل تعميقها ومقارنتها بنتائج رائز الشخصية او الميولات مثلا. اذن الأستاذ الموجه بالمنظور الذي تطرقت له يعدا إيجابيا في نظري ولعلمك وجدت هذا النقاش هنا بالكيبيك منذ إلغاء مادة التربية على الاختيارات من المنهاج الدراسي واعتماد المقاربة الموجهة سنة 2000 ومرد ذلك الى عدم توحيد الرؤية وطريقة تطبيق المقاربة الموجهة رغم ان التربية على الاختيارات كانت في الغالب يدرسها أساتذة ومازال الأساتذة يدرسون مقرر مشروع التوجيه الشخصي واستكشاف التكوين المهني الذين جاء بهما المنهاج الجديد للمدرسة الكيبيكية لبعض الفئات من التلاميذ.
السؤال الخامس: بعد إلمامك بالتجربة الكيبيكية في التوجيه المدرسي أو قل التوجيه الدراسي عموما. هل يمكن تنزيلها في منظومتي التعليم والتكوين المهني بالمغرب في الوقت الراهن؟
الجواب:
لكل منظومة تربوية وتكوينية غاياتها وأهدافها. ونظام التوجيه الية من آليات بلوغ هذه الغايات والاهداف لذلك من الصعب ضمان نجاح تنزيل نظام التوجيه الكيبيكي في منظومة التربية والتكوين المهني بالمغرب لاختلاف اهداف وغايات المنظومتين. لكن وكما نعلم ان منظومة التربية والتكوين مرتبطة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد في كل مجتمع وهذا النظام هو الُموِّلد لتلك الديناميكية التي تنشأ بين الأفراد وفرص التكوين وفرص الشغل والاندماج المهني المتاحة لهم وحيث أن التوجيه هو تلك الآلية التي يمكن ان تساعد هؤلاء الافراد على استغلال تلك الفرص واختيار الأنسب لحاجياتهم . غير أنه يمكن الاستئناس بالمبادئ والاسس النظرية المؤطرة للتوجيه بالكيبيك وملاءمة بعض أدواته التطبيقية لبناء وتحسين نظام التوجيه المغربي ليكون أكثر فعالية ويؤدي الدور المنتظر منه في منظومتنا التربوية والتكوينية.
حاوره ذ أحمد الزاهد
افني ديريكت ifnidirect.com