حسن أحراث: المذكرة 022/17 وهاجس التحكم؟
أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي المذكرة 17/022 في 06 مارس 2017، وموضوعها "تنظيم العمل بالقطاعات المدرسية للتوجيه" بناء على "رؤية جديدة" ابتداء من الموسم الدراسي 2017/2018.
إن أول ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو كون النهوض بمجال التوجيه التربوي مرتبط أشد الارتباط بنهوض شامل للمنظومة التربوية، على اعتبار تداخل كل مكونات هذه الأخيرة مع بعضها البعض. كما أن النهوض بهذه المنظومة مرتبط بدوره بمعالجة جذرية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأي تناول لموضوع التوجيه التربوي خارج هذا السياق لا يعدو كونه إعادة "رسكلة" الأزمة ومحاولة تدبيرها تقنويا ولحظيا كهروب الى الأمام. وذلك حال كل عمليات "الإصلاح" الفاشلة السابقة، على الأقل من "الميثاق" وعبر "البرنامج الاستعجالي" الى "الرؤية الاستراتيجية". وبالنسبة لموضوعنا، فإن إقصاء أطر التوجيه التربوي وعدم استشارتهم يعبران عن خلفية غير بريئة، بل عن النية المبيتة في تمرير "آلية" "حديدية" بغاية التحكم في المجال كميا وتقنيا، بهواجس عقابية زائدة على اللزوم، وفي تغييب تام للثقافة الديمقراطية ولشعارات الإشراك والتشارك وثنائية الحق والواجب...
لقد تسللت المذكرة 17/022 في الدقائق الأخيرة أو في الوقت الميت من عمر الوزير السابق رشيد بلمختار.. أو لنقل تسللت في جنح الظلام لتسقط على رؤوس أطر التوجيه التربوي من أجل تنفيذها الحرفي دون الحق في مناقشتها أو إبداء الرأي بشأنها. وكأن الشر/الخطأ "لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها". ودون عناء ودون جهد لتفسير مكامن القصور أو الخلل، وبجرة قلم طائش، شطبت/نسخت المذكرتين السابقتين 19 و17 لسنة 2010، تماما كما تم بمزاجية مؤطرة بالجمل الإنشائية مع مذكرات سابقة. أما ثقافة "عدم الإفلات من العقاب" بالنسبة للمتورطين في جرائم الاختلاس ونهب المال العام والتلاعبات الإدارية القائمة على المحسوبية والزبونية، و"ربط المسؤولية بالمحاسبة" فلا تشتم رائحتهما في مطبخ مهندسي هذه المذكرة/العصا...
وأستغرب كيف لمهتم بالشأن التربوي (باحث أو مهتم أو مسؤول...) أن يصدق أن أطر التوجيه التربوي (مستشارين ومفتشين)، وفي ظل الشروط الصعبة الراهنة (غياب وسائل العمل، العدد القليل للأطر وبالمقابل تزايد أعداد التلاميذ والمؤسسات وتزايد الطلب على خدمات التوجيه التربوي...) يمكنها أن تقوم بالتدخلات التعجيزية التالية (حسب المذكرة العجيبة)، علما أن لهذه الأطر من الكفاءة المهنية وحس المسؤولية ما لا يشكك فيه أحد (بكل نسبية طبعا):
- "تجميع المعلومات والمعطيات ذات الصلة بالدراسات وعروض التكوين المتاحة ومتطلبات سوق الشغل وحاجياته المستجدة، بما يقتضيه ذلك من انفتاح وتواصل وتنسيق على المستوى المحلي مع المؤسسات المعنية بهذه الدراسات والتكوينات ومع المهنيين؛
- تقديم خدمات الإعلام المدرسي والمهني والاستشارة والمواكبة بشكل منتظم للمتعلمين لمساعدتهم على بلورة اختياراتهم الدراسية والتكوينية والمهنية ومشاريعهم الشخصية مع إيلاء الأهمية اللازمة للمكون المهني بمساراته وآفاقه، وذلك بجميع المستويات التعليمية بالمؤسسات الثانوية المسندة اليهم؛
- التنسيق مع الإدارات التربوية بالمؤسسات الثانوية المسندة اليهم لاستثمار المعطيات المتعلقة بتتبع الأوضاع التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين في تدخلاتهم في نطاق المهام المنوطة بهم؛
- تنسيق جميع أنشطة التوجيه المدرسي والمهني، المنجزة من طرف المؤسسات الثانوية المسندة اليهم، وتنسيق عمل المجالس الخاصة بالتوجيه ولجن إعادة التوجيه ولجن الاختيار الأولي ولجن إرجاع المنقطعين والمفصولين المنعقدة جميعها بهذه المؤسسات وفق المساطر الجاري بها العمل؛
- تقديم الدعم التقني للمؤسسات الثانوية المسندة اليهم لمساعدتها على إدماج بعد التوجيه المدرسي والمهني ضمن برامج عملها ومشاريعها التربوية في إطار المجلس التربوي ومجلس التدبير، وكذا ضمن البرامج الدراسية المقررة وأنشطة الأندية التربوية؛
- المساهمة في تفعيل الشق الخدماتي المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني من برنامج عمل مصلحة تأطير المؤسسات التعليمية والتوجيه وفق جدولة تضعها هذه الأخيرة بتنسيق معهم؛
- تقديم خدمات الدعم التربوي والنفسي والاجتماعي للمتعلمين بطلب من مدير المؤسسة وكذا المساهمة في أنشطة التقويم والدعم التربوي والنفسي والاجتماعي المبرمجة من طرف المؤسسات التعليمية وفق المساطر والآليات الموضوعة لهذا الغرض .
ولتمكين أطر التوجيه التربوي من القيام بالمهام الموكولة لهم، يتم تسهيل ولوجهم الى المعطيات المتعلقة بالأوضاع التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين، خاصة تلك المتوفرة في برنامج مسار"؟؟!!
أين التروي والرؤية العلمية هنا؟ وأين الرؤية "الاستراتيجية" بالنسبة لقطاع حيوي ومصيري في حياة شعب؟ وأين الصدق مع الذات أولا، ومع الآخر ثانيا؟ أم في الأمر المثل السائر "غير زيدوه، ما نايض ما نايض"؟
فيكفي مرة أخرى الحديث عن معدل التأطير الذي يفوق ثلاثة آلاف (3000) تلميذ، بالنسبة لكل إطار التوجيه التربوي، في أغلب المديريات الإقليمية، لتفنيد هذه الروح "المتفائلة جدا" لمهندسي المذكرة 17/022.. وقد يعجز فريق متعدد التخصصات (سوبيرمانات) من القيام بهذه "المهام" في ظل شروط العمل المتردية التي لا تخفى على أحد..
ومن بين كذلك ما يثير الاستغراب ما ورد في ديباجة المذكرة:
"وإرساء للتصور الجديد لتطوير منظومة التوجيه المدرسي والمهني القائم على ضمان الحق في المساعدة على التوجيه وبناء الاختيارات الدراسية والمهنية لجميع الفئات الراغبة في ذلك، من متعلمين بالتعليم المدرسي منذ نهاية السلك الابتدائي، ومتدربين بالتكوين المهني، ومستفيدين من التربية غير النظامية، وشباب غير ممدرس، وباحثين عن العمل أو عن تغيير مسارهم المهني أو الترقي فيه، خصوصا بعد دمج التكوين المهني والتعليم العام في قطاع واحد وذلك في إطار الانسجام والتكامل بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العام ".
فعن أي "ضمان للحق في المساعدة على التوجيه..." في ظل معدل التأطير الذي يفوق ثلاثة آلاف (3000) تلميذ (هنا، نتحدث عن المتعلمين بالتعليم المدرسي، الإعدادي والتأهيلي. أما إضافة "نهاية السلك الابتدائي، ومتدربين بالتكوين المهني، ومستفيدين من التربية غير النظامية، وشباب غير ممدرس، وباحثين عن العمل أو عن تغيير مسارهم المهني أو الترقي فيه"، فيصدق عليه المثل: "ما قدو فيل زيدوه فيلة")؟!! وفي ظل غياب وسائل العمل، وفي ظل غياب أبسط أشكال الاعتراف والتحفيز..؟!! وحتى الحديث عن "الانسجام الكامل بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العام" ليس إلا وهما للتسويق. والواقع يفند ذلك، لأن المنظومتين عبارة عن جزيرتين متنافرتين. ويتجلى ذلك بوضوح في عملية إرساء البكالوريا المهنية، وهو موضوع آخر يحتاج الى نقاشات قد لا تنتهي، ونفس الشيء بالنسبة لإرساء المسالك الدولية بالنسبة للسنة الأولى إعدادي والثانوي التأهيلي.. إنها مشاكل بالجملة وأوراش كبيرة، لكن المذكرة تغرد خارج السرب..
والأخطر من ذلك صم الآذان عن المطالب المشروعة لأطر التوجيه التربوي، بل وتكريس الحيف في حقهم رغم كل التضحيات والجهود التي يبذلونها بتفان ونكران للذات..
إن التفسير الوحيد لهذا العبث/الترف الذي يتكرر من مذكرة الى أخرى هو غياب إرادة تحقيق أو تنزيل هذه "التدخلات" على أرض الواقع، إعمالا لمقولة "كم حاجة قضيناها بتركها"..
لا نحاكم النوايا الحسنة.. ولا نبحث عن المستحيل.. فقط، ندعو الزملاء "الأعداء"، مهندسي المذكرة (خوك في الحرفة عدوك) الى إعمال العقل والحكمة والتبصر وفتح المجال للتداول والتناظر بصوت مرتفع وأمام الملأ لتحديد المسؤولية.. حيث يظهر للقاصي والداني أن المذكرة تستهدف إطار التوجيه التربوي أكثر من حرصها على خدمة مجال التوجيه التربوي كما ورد في الديباجة وفي فقرات متفرقة.
ويمكن تلخيص هذا الاستهداف المتستر في نقطتين:
النقطة الأولى: إثقال كاهل أطر التوجيه التربوي وإغراقهم في متاهة دون أفق، بل تحميلهم مسؤولية لا يد لهم فيها. وذلك بهدف "تبرئة" الذمة من خلال "حل" معضلة العدد الكبير من المؤسسات الثانوية (إعدادي وتأهيلي) غير المغطاة بخدمات التوجيه التربوي، ووضع قائمة من التدخلات (لا يهم أن تنجز أو لا تنجز!!). المهم توزيع المؤسسات بين أطر التوجيه التربوي، كما توزع أكياس البطاطس (بدون معايير تربوية، ولنا نماذج متعددة بهذا الخصوص)؛
النقطة الثانية: سجن أطر التوجيه التربوي بالمؤسسات التعليمية حتى دون أن يستدعي الأمر ذلك أو أن يكون هناك طلبات في شأن خدمات التوجيه التربوي (حكاية أنصاف الأيام التي تطعن في مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للتلميذات والتلاميذ وحتى أولياء الأمور. فقد يخصص نصف يوم يلائم البعض دون أن يلائم الكل أو على الأقل البعض الآخر). نعلم أن لا أحد قد يسأل عن الحضور أو الغياب (أمر مألوف)، لكن السيف لا يجب أن يفارق رقبة الضحية. وسيبقى مرفوعا لكل غاية مفيدة، وخاصة غاية "تصفية الحسابات" و"مرض" التركيع والإذلال و"حب" التحكم..
باختصار، إن التوجيه التربوي ليس عملية تقنية/تقنوية (حسابية أو كمية). إن التوجيه التربوي فلسفة محكومة ببعد مهني علمي وأخلاقي. ونجاح ورش/مشروع التوجيه التربوي يقوم على توحيد الإرادات التربوية وتعاونها وتكوينها بارتباط مع رؤية شمولية وإرادة حقيقية في التغيير الى جانب توفير أدوات الاشتغال العلمية والحديثة، وليس على المقاربات البائدة، الأمنية منها والعقابية والتحكمية...
وهذه الإشارات المعبرة تعفينا من الخوض في تناول أو مناقشة التفاصيل. وبدون شك، تفسير الواضحات من المفضحات...
مقترح للتفاعل: فتح نقاش عمومي مسؤول (محلي وجهوي ومركزي) من خلال ندوات أو مناظرات أو ملتقيات مع إشراك المعنيين الأساسيين من تلاميذ وأولياء أمورهم (جمعيات الآباء والأمهات...) وأطر التوجيه التربوي والأطر التربوية والإدارية والجهات الوصية وباقي الفاعلين والمهتمين من صحافة ومجتمع مدني ونقابات...
* فاعل تربوي و إطار في التوجيه التربوي
أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي المذكرة 17/022 في 06 مارس 2017، وموضوعها "تنظيم العمل بالقطاعات المدرسية للتوجيه" بناء على "رؤية جديدة" ابتداء من الموسم الدراسي 2017/2018.
إن أول ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو كون النهوض بمجال التوجيه التربوي مرتبط أشد الارتباط بنهوض شامل للمنظومة التربوية، على اعتبار تداخل كل مكونات هذه الأخيرة مع بعضها البعض. كما أن النهوض بهذه المنظومة مرتبط بدوره بمعالجة جذرية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأي تناول لموضوع التوجيه التربوي خارج هذا السياق لا يعدو كونه إعادة "رسكلة" الأزمة ومحاولة تدبيرها تقنويا ولحظيا كهروب الى الأمام. وذلك حال كل عمليات "الإصلاح" الفاشلة السابقة، على الأقل من "الميثاق" وعبر "البرنامج الاستعجالي" الى "الرؤية الاستراتيجية". وبالنسبة لموضوعنا، فإن إقصاء أطر التوجيه التربوي وعدم استشارتهم يعبران عن خلفية غير بريئة، بل عن النية المبيتة في تمرير "آلية" "حديدية" بغاية التحكم في المجال كميا وتقنيا، بهواجس عقابية زائدة على اللزوم، وفي تغييب تام للثقافة الديمقراطية ولشعارات الإشراك والتشارك وثنائية الحق والواجب...
لقد تسللت المذكرة 17/022 في الدقائق الأخيرة أو في الوقت الميت من عمر الوزير السابق رشيد بلمختار.. أو لنقل تسللت في جنح الظلام لتسقط على رؤوس أطر التوجيه التربوي من أجل تنفيذها الحرفي دون الحق في مناقشتها أو إبداء الرأي بشأنها. وكأن الشر/الخطأ "لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها". ودون عناء ودون جهد لتفسير مكامن القصور أو الخلل، وبجرة قلم طائش، شطبت/نسخت المذكرتين السابقتين 19 و17 لسنة 2010، تماما كما تم بمزاجية مؤطرة بالجمل الإنشائية مع مذكرات سابقة. أما ثقافة "عدم الإفلات من العقاب" بالنسبة للمتورطين في جرائم الاختلاس ونهب المال العام والتلاعبات الإدارية القائمة على المحسوبية والزبونية، و"ربط المسؤولية بالمحاسبة" فلا تشتم رائحتهما في مطبخ مهندسي هذه المذكرة/العصا...
وأستغرب كيف لمهتم بالشأن التربوي (باحث أو مهتم أو مسؤول...) أن يصدق أن أطر التوجيه التربوي (مستشارين ومفتشين)، وفي ظل الشروط الصعبة الراهنة (غياب وسائل العمل، العدد القليل للأطر وبالمقابل تزايد أعداد التلاميذ والمؤسسات وتزايد الطلب على خدمات التوجيه التربوي...) يمكنها أن تقوم بالتدخلات التعجيزية التالية (حسب المذكرة العجيبة)، علما أن لهذه الأطر من الكفاءة المهنية وحس المسؤولية ما لا يشكك فيه أحد (بكل نسبية طبعا):
- "تجميع المعلومات والمعطيات ذات الصلة بالدراسات وعروض التكوين المتاحة ومتطلبات سوق الشغل وحاجياته المستجدة، بما يقتضيه ذلك من انفتاح وتواصل وتنسيق على المستوى المحلي مع المؤسسات المعنية بهذه الدراسات والتكوينات ومع المهنيين؛
- تقديم خدمات الإعلام المدرسي والمهني والاستشارة والمواكبة بشكل منتظم للمتعلمين لمساعدتهم على بلورة اختياراتهم الدراسية والتكوينية والمهنية ومشاريعهم الشخصية مع إيلاء الأهمية اللازمة للمكون المهني بمساراته وآفاقه، وذلك بجميع المستويات التعليمية بالمؤسسات الثانوية المسندة اليهم؛
- التنسيق مع الإدارات التربوية بالمؤسسات الثانوية المسندة اليهم لاستثمار المعطيات المتعلقة بتتبع الأوضاع التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين في تدخلاتهم في نطاق المهام المنوطة بهم؛
- تنسيق جميع أنشطة التوجيه المدرسي والمهني، المنجزة من طرف المؤسسات الثانوية المسندة اليهم، وتنسيق عمل المجالس الخاصة بالتوجيه ولجن إعادة التوجيه ولجن الاختيار الأولي ولجن إرجاع المنقطعين والمفصولين المنعقدة جميعها بهذه المؤسسات وفق المساطر الجاري بها العمل؛
- تقديم الدعم التقني للمؤسسات الثانوية المسندة اليهم لمساعدتها على إدماج بعد التوجيه المدرسي والمهني ضمن برامج عملها ومشاريعها التربوية في إطار المجلس التربوي ومجلس التدبير، وكذا ضمن البرامج الدراسية المقررة وأنشطة الأندية التربوية؛
- المساهمة في تفعيل الشق الخدماتي المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني من برنامج عمل مصلحة تأطير المؤسسات التعليمية والتوجيه وفق جدولة تضعها هذه الأخيرة بتنسيق معهم؛
- تقديم خدمات الدعم التربوي والنفسي والاجتماعي للمتعلمين بطلب من مدير المؤسسة وكذا المساهمة في أنشطة التقويم والدعم التربوي والنفسي والاجتماعي المبرمجة من طرف المؤسسات التعليمية وفق المساطر والآليات الموضوعة لهذا الغرض .
ولتمكين أطر التوجيه التربوي من القيام بالمهام الموكولة لهم، يتم تسهيل ولوجهم الى المعطيات المتعلقة بالأوضاع التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين، خاصة تلك المتوفرة في برنامج مسار"؟؟!!
أين التروي والرؤية العلمية هنا؟ وأين الرؤية "الاستراتيجية" بالنسبة لقطاع حيوي ومصيري في حياة شعب؟ وأين الصدق مع الذات أولا، ومع الآخر ثانيا؟ أم في الأمر المثل السائر "غير زيدوه، ما نايض ما نايض"؟
فيكفي مرة أخرى الحديث عن معدل التأطير الذي يفوق ثلاثة آلاف (3000) تلميذ، بالنسبة لكل إطار التوجيه التربوي، في أغلب المديريات الإقليمية، لتفنيد هذه الروح "المتفائلة جدا" لمهندسي المذكرة 17/022.. وقد يعجز فريق متعدد التخصصات (سوبيرمانات) من القيام بهذه "المهام" في ظل شروط العمل المتردية التي لا تخفى على أحد..
ومن بين كذلك ما يثير الاستغراب ما ورد في ديباجة المذكرة:
"وإرساء للتصور الجديد لتطوير منظومة التوجيه المدرسي والمهني القائم على ضمان الحق في المساعدة على التوجيه وبناء الاختيارات الدراسية والمهنية لجميع الفئات الراغبة في ذلك، من متعلمين بالتعليم المدرسي منذ نهاية السلك الابتدائي، ومتدربين بالتكوين المهني، ومستفيدين من التربية غير النظامية، وشباب غير ممدرس، وباحثين عن العمل أو عن تغيير مسارهم المهني أو الترقي فيه، خصوصا بعد دمج التكوين المهني والتعليم العام في قطاع واحد وذلك في إطار الانسجام والتكامل بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العام ".
فعن أي "ضمان للحق في المساعدة على التوجيه..." في ظل معدل التأطير الذي يفوق ثلاثة آلاف (3000) تلميذ (هنا، نتحدث عن المتعلمين بالتعليم المدرسي، الإعدادي والتأهيلي. أما إضافة "نهاية السلك الابتدائي، ومتدربين بالتكوين المهني، ومستفيدين من التربية غير النظامية، وشباب غير ممدرس، وباحثين عن العمل أو عن تغيير مسارهم المهني أو الترقي فيه"، فيصدق عليه المثل: "ما قدو فيل زيدوه فيلة")؟!! وفي ظل غياب وسائل العمل، وفي ظل غياب أبسط أشكال الاعتراف والتحفيز..؟!! وحتى الحديث عن "الانسجام الكامل بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العام" ليس إلا وهما للتسويق. والواقع يفند ذلك، لأن المنظومتين عبارة عن جزيرتين متنافرتين. ويتجلى ذلك بوضوح في عملية إرساء البكالوريا المهنية، وهو موضوع آخر يحتاج الى نقاشات قد لا تنتهي، ونفس الشيء بالنسبة لإرساء المسالك الدولية بالنسبة للسنة الأولى إعدادي والثانوي التأهيلي.. إنها مشاكل بالجملة وأوراش كبيرة، لكن المذكرة تغرد خارج السرب..
والأخطر من ذلك صم الآذان عن المطالب المشروعة لأطر التوجيه التربوي، بل وتكريس الحيف في حقهم رغم كل التضحيات والجهود التي يبذلونها بتفان ونكران للذات..
إن التفسير الوحيد لهذا العبث/الترف الذي يتكرر من مذكرة الى أخرى هو غياب إرادة تحقيق أو تنزيل هذه "التدخلات" على أرض الواقع، إعمالا لمقولة "كم حاجة قضيناها بتركها"..
لا نحاكم النوايا الحسنة.. ولا نبحث عن المستحيل.. فقط، ندعو الزملاء "الأعداء"، مهندسي المذكرة (خوك في الحرفة عدوك) الى إعمال العقل والحكمة والتبصر وفتح المجال للتداول والتناظر بصوت مرتفع وأمام الملأ لتحديد المسؤولية.. حيث يظهر للقاصي والداني أن المذكرة تستهدف إطار التوجيه التربوي أكثر من حرصها على خدمة مجال التوجيه التربوي كما ورد في الديباجة وفي فقرات متفرقة.
ويمكن تلخيص هذا الاستهداف المتستر في نقطتين:
النقطة الأولى: إثقال كاهل أطر التوجيه التربوي وإغراقهم في متاهة دون أفق، بل تحميلهم مسؤولية لا يد لهم فيها. وذلك بهدف "تبرئة" الذمة من خلال "حل" معضلة العدد الكبير من المؤسسات الثانوية (إعدادي وتأهيلي) غير المغطاة بخدمات التوجيه التربوي، ووضع قائمة من التدخلات (لا يهم أن تنجز أو لا تنجز!!). المهم توزيع المؤسسات بين أطر التوجيه التربوي، كما توزع أكياس البطاطس (بدون معايير تربوية، ولنا نماذج متعددة بهذا الخصوص)؛
النقطة الثانية: سجن أطر التوجيه التربوي بالمؤسسات التعليمية حتى دون أن يستدعي الأمر ذلك أو أن يكون هناك طلبات في شأن خدمات التوجيه التربوي (حكاية أنصاف الأيام التي تطعن في مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للتلميذات والتلاميذ وحتى أولياء الأمور. فقد يخصص نصف يوم يلائم البعض دون أن يلائم الكل أو على الأقل البعض الآخر). نعلم أن لا أحد قد يسأل عن الحضور أو الغياب (أمر مألوف)، لكن السيف لا يجب أن يفارق رقبة الضحية. وسيبقى مرفوعا لكل غاية مفيدة، وخاصة غاية "تصفية الحسابات" و"مرض" التركيع والإذلال و"حب" التحكم..
باختصار، إن التوجيه التربوي ليس عملية تقنية/تقنوية (حسابية أو كمية). إن التوجيه التربوي فلسفة محكومة ببعد مهني علمي وأخلاقي. ونجاح ورش/مشروع التوجيه التربوي يقوم على توحيد الإرادات التربوية وتعاونها وتكوينها بارتباط مع رؤية شمولية وإرادة حقيقية في التغيير الى جانب توفير أدوات الاشتغال العلمية والحديثة، وليس على المقاربات البائدة، الأمنية منها والعقابية والتحكمية...
وهذه الإشارات المعبرة تعفينا من الخوض في تناول أو مناقشة التفاصيل. وبدون شك، تفسير الواضحات من المفضحات...
مقترح للتفاعل: فتح نقاش عمومي مسؤول (محلي وجهوي ومركزي) من خلال ندوات أو مناظرات أو ملتقيات مع إشراك المعنيين الأساسيين من تلاميذ وأولياء أمورهم (جمعيات الآباء والأمهات...) وأطر التوجيه التربوي والأطر التربوية والإدارية والجهات الوصية وباقي الفاعلين والمهتمين من صحافة ومجتمع مدني ونقابات...
* فاعل تربوي و إطار في التوجيه التربوي