ismagi
racus

مستجدات المراقبة المستمرة بالتعليم المدرسي ملاحظات وتساؤلات :محمد الدريسي

tawjihnet

مدير عام tawjihnet.net
طاقم الإدارة
على ضوء مستجدات المراقبة المستمرة بالتعليم المدرسي:
ملاحظات وتساؤلات حول نظام التقويم التربوي - بتاريخ 2021/09/17

محمد-الدريسي على ضوء مستجدات المراقبة المستمرة بالتعليم المدرسي.jpg

محمد الدريسي - باحث في مجال التربية والتكوين.
أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة تحت رقم 21ـ080 متعلقة بتأطير المراقبة المستمرة، وتأتي هذه المذكرة تفعيلا للمشروع 12 المتعلق بتحسين وتطوير نظام التقويم والدعم المدرسي والامتحانات، وبهدف "الرفع من مصداقية نتائج المراقبة المستمرة وضمان تكافؤ الفرص بين المتعلمين والمتعلمات".

و
يتمثل التعديل الأساسي الذي أتت به المذكرة في اعتماد فرض موحد للمراقبة المستمرة نهاية كل دورة تحستب نتائجه بنسبة 50 من معدلها الإجمالي، وحذف الامتحان المحلي الموحد بالمستويين الإشهاديين السادس ابتدائي والثالثة إعدادي.

وفي قراءة أولية لمضامين المذكرة، تظهر زوايا إيجابية لهذا التعديل تهم أساسا تقليص حضور ذاتية الأستاذ في نتائج المراقبة المستمرة والسعي لتكافؤ الفرص بين الأقسام، وكذا التخفيف من الأعباء التنظيمية والإدارية المرتبطة بتنظيم الامتحان المحلي الموحد.

غير أن إمعان النظر في هذه الخطوة يبرز زوايا أخرى تتطلب الدراسة والتمحيص، أجملها من خلال الملاحظات والإشارات والتساؤلات الآتية:
  • المذكرة الجديدة عدلت مقتضيات من القرار الوزاري رقم 2383.06 والقرار الوزاري رقم 2384.06 المتعلقين بتنظيم امتحانات نيل شهادة الدروس الابتدائية ونيل شهادة السلك الإعدادي، وهو ما يثير تساؤلات من الناحية القانونية عن احترام تراتبية النصوص القانونية والتنظيمية وحجيتها، لاسيما أن الوزارة سلكت هذه الطريقة في تعديل مراسيم وزارية كذلك (ملف الإدارة التربوية، وملف مركز التوجيه والتخطيط التربوي...)، ثم إن تخصيص المذكرة بموسم دراسي واحد يطرح سؤال الاستمرارية للسنوات الموالية؛ وبالتالي ألم يكن الأفضل التريث لبلورة تصور لإصلاح نظام التقويم برمته وإصداره بمرسوم أو قرار عوض مذكرة؟
  • امتدت المذكرة لتعديل عناصر في نظام الامتحانات بالسادسة ابتدائي والثالثة إعدادية رغم أن موضوعها " تأطير المراقبة المستمرة"، كما لوحظ ارتباك في تحديد الجداول التفصيلية لمكونات المراقبة المستمرة وفق الطريقة الجديدة (التربية الإسلامية والاجتماعيات)؛
  • يستشف من المذكرة، تناول موضوع التقويم التربوي بمنطق تجزيئي ومختزل يركز على معالجة تقنية/كمية تفتقد للعمق التربوي وللمنظور الشمولي، حيث لم تولي اهتماما للجوانب النوعية للمراقبة المستمرة، وأشارت بشكل عام لاستثمار نتائجها دون منهجية وآليات واضحة تتجاوز الواقع الذي لا يرتفع، والمتمثل في الاستثمار الإحصائي والشكلي للنتائج، وفي ضعف ربطها بالدعم التربوي وبأوضاع المتعلمين والمتعلمات، وضعف انخراط الفاعلين المعنيين؛
  • باعتبار المراقبة المستمرة تقويما تكوينيا في الأساس، يرجى منه مساعدة المتعلم على استكشاف تعثراته ومساعدته على معالجتها، فإنه لا يفهم كيف يتم تحويل بعض منها إلى محطة للتقويم الإجمالي وإعطائه نسبة النصف في معدلها؛ إلا بمعنى يفيد المزيد من التركيز على النقطة والمعدل كمحور للتقويم.
إن إيلاء أهمية أكبر للتقويم الإجمالي على حساب التقويم التكويني، لن يصب إلا في تكريس الوضعية التقليدية لنظام التقويم المرتكز على النقط والمعدلات، وعلى استرجاع المعارف الدراسية وعدم الاهتمام بالجوانب الشخصية والمهارية لدى المتعلم.

ولعل الصورة العالقة بأذهاننا جميعا عن الامتحانات الإشهادية المتسمة بهالة من "الطقوس" التنظيمية والتضخيم الإعلامي، أكبر دليل على مكانة النقط والمعدلات وموقعها المحدد في نظام الانتقاء لولوج تكوينات ما بعد البكالوريا.

إن استمرار النظر للمتعلم كآلة معرفية تسعى إلى نجومية المعدلات، يتناقض مع النموذج البيداغوجي الحديث الدي يعترف بذات المتعلم ككيان قادر على التطور والإندماج، كيان يمتلك ذكاءات متعددة ينبغي الاجتهاد في رصدها وتثمينها وتنميتها.

وقد
بينت دراسات تربوية أن التقويم الإجمالي المرتكز على النقط والمفتقر ”للبعد البيداغوجي“ يضعف تقدير الذات لدى عدد كبير من المتعلمين وكذا حافزيتهم للتعلم واستثمارهم فيه؛ ذلك أن الوضعيات التسابقية المدرسية أو الاجتماعية تلعب دورا سلبيا، وتعقبها ” نخبوية“ تخنق الحافزية الدراسية؛ الشيء الذي دفع بعض الدول (مثل: سويسرا، الدنمارك، كندا...) إلى إعطاء أهمية كبرى لزراعة تقدير الذات لدى المتعلمين في الإطار المدرسي واعتماد مبدأ ” تقدير الذات من المكتسبات القبلية لكل تعلم“؛ كما ذهبت بعضها الآخر إلى وضع إطار بيداغوجي ملائم ونظام تقويم تقديري (تثميني) يستغني عن النقط في بعض المستويات، ويركز على نجاحات كل فرد عوض إخفاقاته.

وعلى مستوى علاقة نظامي التقويم والتوجيه، يتمظهر التركيز على التقويم الإجمالي على شكل ”انتقاء حسب التعثر“، و يشتغل كآلية للإقصاء بالنسبة للمتعلمين غير القادرين على التكيف مع ”الوضع المثالي المدرسي“ . وهكذا يجد المتعلمون غير القادرين على التكيف مع النظام المدرسي أنفسهم في وضعيات تعثر أو هدر في ظل نظام التقويم المرتكز على النقط والمعدلات؛ لأن التحصيل يمتص غالبا الجانب الأكبر من طاقتهم ويضعف الإبداع والتجريب لديهم، مما يرسخ اختزالية العملية التعلمية وإلغاء الذكاءات المتعددة.

ويمكن القول أن الاستعمالات السائدة للنتائج الدراسية، مع الاختلالات المرصودة في أدوات التقويم، وفي ظل ضعف البعد البيداغوجي والتكويني، يجعلها استعمالات تحجب جوانب مهمة في اتخاذ القرار المرتبط بالتوجيه المدرسي والمهني والجامعي.

أما على صعيد إعداد المتعلم للاندماج المستقبلي، فالتقويم المدرسي بنظامه الحالي لا يعد المتعلمين بما يكفي للطريقة التي سيتم تقويمهم بها في عالم الشغل، لأن تحصيل المعارف ليس هو تحريك المعارف لإنتاج فعل مهني أو اجتماعي. ففي المدرسة ـ عادة ـ نجد المتعلمين ”المتميزين“ يتمرسون في اقتناص النقط بشكل احترافي باعتبارها الوسيلة الوحيدة لضمان توجيه ” جيد“، وفي ظل مسارات دراسية ترسم في معزل عن التحفيزات والمهارات والطموحات الشخصية؛ يفاجأ العديد منهم ـ عند الاندماج المهني ـ بنوع من” عدم النضج“ بسبب مسارهم التقليدي في المدرسة، الذي لم يسمح لهم بالتخيل والإسقاط في عالم الشغل الذي ينتظرهم (عدم الانخراط في بناء مشروع شخصي).

إذن يتضح أن التقويم المدرسي غالبا ما يركز على المعارف الدراسية، في حين أن التوجيه التربوي هو قبل كل شيء مسألة قدرات ومهارات وتحفيز وشخصية أكثر منه معارف وكفاءات دراسية، بمعنى أن التوجيه ” الناجح“ لا يرتبط فقط بالنجاح الدراسي كما تعرفه المدرسة تقليديا.

ختاما، لاشك أن ورش إصلاح نظام التقويم التربوي ليس بالورش الهين، نظرا لتمحوره حول أداء العنصر البشري، ولتعقيدات الممارسات المتعلقة به وارتباطاتها المتشعبة بجميع أبعاد الحياة المدرسية والمحيط المجتمعي؛ والأكيد أن هذا الورش يتطلب تصورا شموليا يحقق التكامل والانسجام بين جميع مكوناته ويستحضر وظائف التقويم التشخيصية والتكوينية والإشهادية والانتقائية؛ ومن أجل ذلك لابد لهذا التصور أن يستند من جهة على مقاربة تربوية مبدعة تجعل من آليات التقويم مدخلا للارتقاء بسيرورة التعلم ـ بمعناه الواسع ـ ومواكبة المتعلم في بناء مشروعه الشخصي والرفع من قدراته على الاندماج المستقبلي، ومن جهة أخرى على مقاربة تصنيفية عبر أدوات ومعايير كمية ونوعية تلبي ضرورات التقويم الإجمالي والإشهادي.

كما ينبغي لهذا التصور أن يطال نظام الانتقاء لولوج تكوينات ما بعد البكالوريا بشكل يخفف من الاعتماد على النتائج الدراسية معيارا وحيدا للحكم على جانبية المترشحين، ويستدمج أدوات تقويمية أخرى تستهدف المؤهلات الشخصية والمهارات الضرورية حسب مجالات التكوين والتشغيل.

التصور المأمول، يفترض أن يجيب عن أسئلة مركزية مرتبطة بإصلاح منظومة التربية والتكوين وبالرفع من مردوديتها الداخلية والخارجية؛ وفي هذا الصدد، أعتبر الأسئلة الآتية ذات أولوية:
  • كيف يمكن الارتقاء بالتقويم التكويني في المدرسة، ليصبح مدخلا لحفز النضج الشخصي والمهني؟
  • كيف يمكن لنظام التقويم أن يشجع فرص الإبداع والاستثمار في التعلم؟
  • ألا يعتبر "الإنصاف وتكافؤ الفرص" في سيرورة التعلم مقدمة ضرورية لتحقيق ذات المبدأ في التقويم؟
  • هل يوفر نظام التقويم شروطا ملائمة لتوجيه ناجح يلبي رغبات جميع المتعلمين؟
  • ألا يمكن أن يقيس نظام التقويم خصائص نوعية لدى المتعلمين، لاتخاذ قرار صائب ومنصف في توجيههم؟
  • كيف يمكن مراجعة نظام الانتقاء بعد البكالوريا بشكل يستجيب لمتطلبات الاندماج؟ ألا يتطلب الأمر مراجعة هيكلة شعب ومسالك البكالوريا كذلك؟
  • أي علاقة بين التقويم المدرسي والتقويم المهني؟ و بين النجاح الدراسي والنجاح المهني؟
محمد الدريسي
باحث في مجال التربية والتكوين.

مصادر ومراجع:
  • المذكرة الوزارية رقم 20 ـ 40 الصادرة بتاريخ 18 شتنبر 2020 المتعلقة بتفعيل أحكام القانون الإطار 17 ـ 51.
  • المذكرة الوزارية رقم 21 ـ 80 الصادرة بتاريخ 15 شتنبر 2021 المتعلقة بتأطير المراقبة المستمرة للموسم الدراسي 2021/2022.
  • L’évaluation scolaire est-elle en service de l’orientation, étude réalise par Sylvène kitabgi, novembre 2009, Paris
  • Lafortune L ,jugement professionnelle en évaluation ,presses de l’université de Québec, 2007.
 
عودة
أعلى