[FONT="Tahoma]
التيارات النظرية الأساسية للتوجيه: البسيكوميتري السلوكي والانساني
[/FONT]يعتبر التوجيه كغيره من مجالات الفعل التربوي مجالا لبلورة مجموعة من النظريات التي حاولت تفسير عملية الاختيار المهني وتحديد العوامل المتحكمة فيها، هذه النماذج التفسيرية عرفت تطورا كبيرا يرتبط بالتحولات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المجتمعات الغربية، وعموما يمكن التمييز بين ثلاثة تيارات طبعت تاريخ التوجيه منذ بداية القرن الماضي:
فالتيار البسيكومتري يعتبر الاختيار مزاوجة وربطا بين استعدادات وسمات وقدرات الأفراد من جهة، ومواصفات ومتطلبات وشروط ممارسة مهنة معينة من جهة ثانية، لتصبح غاية التوجيه هي بلوغ أقصى تلاؤم بين الفرد والشغل الذي يمارسه. ويعتبر PARSONS، رائد التوجيه المهني، أحد منظري هذا التيار الذي يستند إلى علم النفس الفارقي، حيث يعتمد أدوات القياس النفسي خاصة الروائز البسيكوتقنية لحسم الاختيار، مما يجعل مستشار التوجيه في موقع الخبير.
و"رغم أن الفرد يتوفر على خصوصيات، فإنه يصبح في إطار هذا النموذج ذاتا سلبية، لا تقوم بأي نشاط للقيام بالمزاوجة المطلوبة" ، ومن هنا جاءت الانتقادات التي تعرض لها هذا التيار، ومنها نظرته السكونية لخصائص الأفراد والمهن على حد سواء، وعدم اهتمامه ببعدهما الدينامي، واستبعاده لدور الوسط، خاصة العائلي، في تحديد اختيارات التلميذ الدراسية والمهنية، وتمركزه حول المستشار في التوجيه، لذا فقد ظهر في شكل جديد مع أعمال HOLLAND الذي حاول الاستفادة من هذه الانتقادات ووضع تصنيفا سداسيا للأفراد والمهن.
أما التيار السلوكي فيعتبر أن السلوك الإنساني هو نتاج للعادات التي يتعلمها الفرد ويكتسبها أثناء مراحل نموه بفعل استجابته للعوامل البيئية التي يتعرض لها. ولذا فهم يعتبرونه مكتسبا عن طريق التعلم، وهو قابل للتعديل والتغيير عبر توفير ظروف وأجواء تعليمية معينة. وعلى هذا الأساس، فإن الاختيار الدراسي والمهني سلوك يستجيب عبره الفرد لمؤثرات الوسط الذي يعيش فيه. هذا المنظور يقوم على "التدخل المكثف والمعقلن لتنظيم وسط التلميذ وترك سلوكاته تتحدد على نحو عفوي حسب الأحداث المحتملة التي لايقوى الفرد على تغييرها"، مما يفتح المجال للفاعلين في المؤسسات التعليمية لتنفيذ أنشطة تربوية تسهم في بلورة مواقف وسلوكات التلاميذ.
استفاد التيار الإنساني من الانتقادات الموجهة للتيارين السابقين، واعتبر الإنسان كائنا فريدا من حيث سيرورة تطوره، وذاتا فاعلة ومتفاعلة مع محيطها ومع الآخرين، وتتمثل الفلسفة الأساسية للفكر الإنساني في أن "الإنسان بالأساس كائن اجتماعي عقلاني وواقعي، يمتلك القدرة الكامنة أو الظاهرة لفهم ذاته وحل مشكلاته" ، فهو يتصف بالإستقلالية والمسؤولية والقدرة على التغيير وحل المشاكل إذا ما توفرت له الظروف المناسبة، كما ترى هذه النظرية أن الذات تتكون وتتحقق من خلال النمو الإيجابي لنظرة الفرد نحو نفسه والآخرين والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها وبواسطة تراكم خبراته وتجاربه، وتكمن أهمية التجربة، بكل ماتعنيه من فعل وممارسة، في أنها "سيرورة تحدث في الحاضر وتعاش وجدانيا أكثر مما تعاش كفكرة، ورغم أنها غير قابلة للملاحظة فهي مليئة بالدلالات؛ وبناء على ذلك وضع بيلوتيي (Pelletier) تصورا لمنهجية جديدة في التوجيه تقوم على اقتراح أنشطة وتجارب ووضعيات تعلم صالحة ليس فقط لتوجيه النمو المهني للفرد، وإنما أيضا قادرة على تعبئة موارده المعرفية والوجدانية الضرورية لإنجاز المهام النمائية" .
في ختام تقديمنا المقتضب لهذه التيارات، نستنتج أنها تنبني على تصورين مختلفين للتوجيه: أحدهما تشخيصي تنبؤي خارجي يسعى إلى رصد وتقييم الفرد وموضعته في علاقته مع المعايير المهنية الخارجة عنه، والثاني تربوي نمائي مرتبط بذات الفرد وبتنمية خبراته وتجاربه المعيشة.
2.المقاربات الحديثة للتوجيه التربوي:
1.2.الخلفيات النظرية المؤطرة للمقاربات الحديثة في التوجيه التربوي:
تعتبر المقاربات الحديثة في مجال التوجيه نماذج تطبيقية إجرائية للنظريات النمائية المبنية على أهمية الجانب الدينامي التطوري للشخصية، والتي تنظر إلى الاختيار كتتويج لسيرورة نمائية تمر بمراحل تنسجم كل واحدة منها مع مستوى معين من نمو الفرد، هذه المراحل ينبغي العمل على تنميتها ومساعدة الفرد على المرور من مرحلة لأخرى. وقد وضع رواد هذه المقاربات ترتيبا لهذه المراحل: فبينما يرى جنزبرغ (Ginserg) أن الإختيار يمر بثلاث مراحل، وأن المرحلة الثالثة مرحلة واقعية تتميز باستدماج عناصر المحيط من طرف الفرد، فإن سوبير (Super) يعتبر الاختيار، من خلال نموذجه المكون من أربع مراحل، تحيين مستمر لصورة الذات. وإذ ينبغي التأكيد على أهمية مرافقة التلميذ في هذا البناء المرحلي، فإن للمدرس دورا أساسيا في هذا الإطار.
ونظرا لطابعها النمائي، فإن هذه المقاربات تستهدف مواكبة وتنشيط النمو المهني للفرد، وهو ما يتطلب في نظر بيلوتيي "معايشة مجموعة من التجارب، عبر انخراط الفرد في مختلف الأنشطة، وفق تراتبية معينة؛ ثم المعالجة المعرفية للتجارب المعاشة بتشجيع استعمال مختلف السيرورات الفكرية؛ وأخيرا إدماج التجارب المعاشة وذلك بربطها بالتجارب السابقة" .
ومن هنا نستخلص أن تنمية النضج المهني رهين بمبدأين أساسيين:
المبدأ التجريبي: يقوم على خلق ومعايشة وضعيات وتجارب، لكونها تعدل وتنمي تمثلات الفرد نحو الذات والمحيط. ولأهمية التجربة، فإن الجميع مدعو للمساهمة في خلق ظروفها، حيث "يتولى المستشار في التوجيه مساعدة الفرد في اختياراته وتمكينه من الدعم المطلوب من أجل فهم ذاته والتحكم في المعلومات المناسبة لاختياره" .
المبدأ الاستكشافي: ينبني على معالجة التجارب المعيشة معرفيا باستعمال مختلف انواع التفكير، ونستحضر هنا إسهامات علم النفس المعرفي. وتتجلى أهمية هذا المبدأ في إيمانه بدور محيط التلميذ كمصدر للمعلومات والخبرات، هذا المحيط يتشكل من الأسرة، المدرسة والأقران ...
نخلص إذن أنه إذا كان فعل التوجيه ذا بعد شخصي يرتبط بذات التلميذ الفاعلة والمسؤولة، فإن مرافقة المحيط بكل مكوناته أساسية لتيسير النضج المهني للتلميذ، مما يجعل من المدرس والمستشار في التوجيه والأسرة ... أطرافا مساهمة في الفعل التوجيهي.
فالتيار البسيكومتري يعتبر الاختيار مزاوجة وربطا بين استعدادات وسمات وقدرات الأفراد من جهة، ومواصفات ومتطلبات وشروط ممارسة مهنة معينة من جهة ثانية، لتصبح غاية التوجيه هي بلوغ أقصى تلاؤم بين الفرد والشغل الذي يمارسه. ويعتبر PARSONS، رائد التوجيه المهني، أحد منظري هذا التيار الذي يستند إلى علم النفس الفارقي، حيث يعتمد أدوات القياس النفسي خاصة الروائز البسيكوتقنية لحسم الاختيار، مما يجعل مستشار التوجيه في موقع الخبير.
و"رغم أن الفرد يتوفر على خصوصيات، فإنه يصبح في إطار هذا النموذج ذاتا سلبية، لا تقوم بأي نشاط للقيام بالمزاوجة المطلوبة" ، ومن هنا جاءت الانتقادات التي تعرض لها هذا التيار، ومنها نظرته السكونية لخصائص الأفراد والمهن على حد سواء، وعدم اهتمامه ببعدهما الدينامي، واستبعاده لدور الوسط، خاصة العائلي، في تحديد اختيارات التلميذ الدراسية والمهنية، وتمركزه حول المستشار في التوجيه، لذا فقد ظهر في شكل جديد مع أعمال HOLLAND الذي حاول الاستفادة من هذه الانتقادات ووضع تصنيفا سداسيا للأفراد والمهن.
أما التيار السلوكي فيعتبر أن السلوك الإنساني هو نتاج للعادات التي يتعلمها الفرد ويكتسبها أثناء مراحل نموه بفعل استجابته للعوامل البيئية التي يتعرض لها. ولذا فهم يعتبرونه مكتسبا عن طريق التعلم، وهو قابل للتعديل والتغيير عبر توفير ظروف وأجواء تعليمية معينة. وعلى هذا الأساس، فإن الاختيار الدراسي والمهني سلوك يستجيب عبره الفرد لمؤثرات الوسط الذي يعيش فيه. هذا المنظور يقوم على "التدخل المكثف والمعقلن لتنظيم وسط التلميذ وترك سلوكاته تتحدد على نحو عفوي حسب الأحداث المحتملة التي لايقوى الفرد على تغييرها"، مما يفتح المجال للفاعلين في المؤسسات التعليمية لتنفيذ أنشطة تربوية تسهم في بلورة مواقف وسلوكات التلاميذ.
استفاد التيار الإنساني من الانتقادات الموجهة للتيارين السابقين، واعتبر الإنسان كائنا فريدا من حيث سيرورة تطوره، وذاتا فاعلة ومتفاعلة مع محيطها ومع الآخرين، وتتمثل الفلسفة الأساسية للفكر الإنساني في أن "الإنسان بالأساس كائن اجتماعي عقلاني وواقعي، يمتلك القدرة الكامنة أو الظاهرة لفهم ذاته وحل مشكلاته" ، فهو يتصف بالإستقلالية والمسؤولية والقدرة على التغيير وحل المشاكل إذا ما توفرت له الظروف المناسبة، كما ترى هذه النظرية أن الذات تتكون وتتحقق من خلال النمو الإيجابي لنظرة الفرد نحو نفسه والآخرين والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها وبواسطة تراكم خبراته وتجاربه، وتكمن أهمية التجربة، بكل ماتعنيه من فعل وممارسة، في أنها "سيرورة تحدث في الحاضر وتعاش وجدانيا أكثر مما تعاش كفكرة، ورغم أنها غير قابلة للملاحظة فهي مليئة بالدلالات؛ وبناء على ذلك وضع بيلوتيي (Pelletier) تصورا لمنهجية جديدة في التوجيه تقوم على اقتراح أنشطة وتجارب ووضعيات تعلم صالحة ليس فقط لتوجيه النمو المهني للفرد، وإنما أيضا قادرة على تعبئة موارده المعرفية والوجدانية الضرورية لإنجاز المهام النمائية" .
في ختام تقديمنا المقتضب لهذه التيارات، نستنتج أنها تنبني على تصورين مختلفين للتوجيه: أحدهما تشخيصي تنبؤي خارجي يسعى إلى رصد وتقييم الفرد وموضعته في علاقته مع المعايير المهنية الخارجة عنه، والثاني تربوي نمائي مرتبط بذات الفرد وبتنمية خبراته وتجاربه المعيشة.
2.المقاربات الحديثة للتوجيه التربوي:
1.2.الخلفيات النظرية المؤطرة للمقاربات الحديثة في التوجيه التربوي:
تعتبر المقاربات الحديثة في مجال التوجيه نماذج تطبيقية إجرائية للنظريات النمائية المبنية على أهمية الجانب الدينامي التطوري للشخصية، والتي تنظر إلى الاختيار كتتويج لسيرورة نمائية تمر بمراحل تنسجم كل واحدة منها مع مستوى معين من نمو الفرد، هذه المراحل ينبغي العمل على تنميتها ومساعدة الفرد على المرور من مرحلة لأخرى. وقد وضع رواد هذه المقاربات ترتيبا لهذه المراحل: فبينما يرى جنزبرغ (Ginserg) أن الإختيار يمر بثلاث مراحل، وأن المرحلة الثالثة مرحلة واقعية تتميز باستدماج عناصر المحيط من طرف الفرد، فإن سوبير (Super) يعتبر الاختيار، من خلال نموذجه المكون من أربع مراحل، تحيين مستمر لصورة الذات. وإذ ينبغي التأكيد على أهمية مرافقة التلميذ في هذا البناء المرحلي، فإن للمدرس دورا أساسيا في هذا الإطار.
ونظرا لطابعها النمائي، فإن هذه المقاربات تستهدف مواكبة وتنشيط النمو المهني للفرد، وهو ما يتطلب في نظر بيلوتيي "معايشة مجموعة من التجارب، عبر انخراط الفرد في مختلف الأنشطة، وفق تراتبية معينة؛ ثم المعالجة المعرفية للتجارب المعاشة بتشجيع استعمال مختلف السيرورات الفكرية؛ وأخيرا إدماج التجارب المعاشة وذلك بربطها بالتجارب السابقة" .
ومن هنا نستخلص أن تنمية النضج المهني رهين بمبدأين أساسيين:
المبدأ التجريبي: يقوم على خلق ومعايشة وضعيات وتجارب، لكونها تعدل وتنمي تمثلات الفرد نحو الذات والمحيط. ولأهمية التجربة، فإن الجميع مدعو للمساهمة في خلق ظروفها، حيث "يتولى المستشار في التوجيه مساعدة الفرد في اختياراته وتمكينه من الدعم المطلوب من أجل فهم ذاته والتحكم في المعلومات المناسبة لاختياره" .
المبدأ الاستكشافي: ينبني على معالجة التجارب المعيشة معرفيا باستعمال مختلف انواع التفكير، ونستحضر هنا إسهامات علم النفس المعرفي. وتتجلى أهمية هذا المبدأ في إيمانه بدور محيط التلميذ كمصدر للمعلومات والخبرات، هذا المحيط يتشكل من الأسرة، المدرسة والأقران ...
نخلص إذن أنه إذا كان فعل التوجيه ذا بعد شخصي يرتبط بذات التلميذ الفاعلة والمسؤولة، فإن مرافقة المحيط بكل مكوناته أساسية لتيسير النضج المهني للتلميذ، مما يجعل من المدرس والمستشار في التوجيه والأسرة ... أطرافا مساهمة في الفعل التوجيهي.