قراءة في كتاب أولادنا من الطفولة الى الشباب
لكاتبه مأمون مبيض
[/color][fontالطبعة:[font 2001 المكتب الإسلامي
[fontالمدينة: بيروت
لكاتبه مأمون مبيض
[/color][fontالطبعة:[font 2001 المكتب الإسلامي
[fontالمدينة: بيروت
الفصل الأول:الآباء والدور التربوي
1.استعداد الأبوين :
من الطبيعي أن تجد كل أب أو أم يريد أن يستمتع بتنشئة ولده، إلا أن الحيرة تأخذهما عند اختيار الأسلوب التربوي الأمثل:ٍّهل نريد طفلا عبارة عن نسخة مطابقة لنا؟أم طفلا نتركه يشق تجربته لوحده دون تدخل منا؟.
لهذا الغرض كان هذا الكتاب: ليعلم الأبوين كيف يقدما التوجيه والمساعدة للطفل في فهم الحياة، ويعلماه كيف يتخذ القرار المناسب في حياته بكل ثقة ومسؤولية. إنه يتضمن كل المعلومات حول النفس البشرية وكيفية توجيهها، إنه كتاب للأبوين ولكل منشغل بالهم التربوي.
قد يعتري أحد الأبوين تخوف من المسؤولية الجديدة, وقد تزداد هذه المخاوف عندما يرى الشارع مصدر كل الحرف, فتأثر هذه النظرة على الأسلوب التربوي. في المقابل نجد أن من يغمره الحماس في استقبال المولود الجديد يستهين بالصعوبات المتوقعة في التربية, من هنا تظهر إذن أهمية إعداد الآباء قبل تولي مسؤولية تربية الأبناء, إعداد وتأهيل نفسي وفكري وسلوكي من أجل قدرة أفضل على التربية.
2. العلاقة الأسرية وأثرها على التربية:
ما من شك أن علاقة الأبوين لها تأثير قوي على نفسية الطفل وشخصيته. ففي علاقة مبنية على الاحترام المتبادل والنقاش دون جدال, يحصل الاطمئنان والتوازن عند الطفل. أما عندما تكون العلاقة متوترة ومشحونة, تهتز نفسية الطفل خوفا من الافتراق وحيرة مع من يقف, المنزل مصدر الخوف بصخبه, والمعارك الدائمة تخلق جراحا لا تندمل, وتبلغ القضية منتهى خطورتها حالة الانفصال, يقف الطفل فيها حكما دون نضج كاف بين أبويه, كل يجذبه لطرفه مما يخلق له تناقضات ومشاكل شخصية. كل هذه التوترات تتمظهر داخل المدرسة بأشكال معينة: تشتت ذهني دائم, عدوانية مع الآخرين إن لم تصل حالة عنف يريد من خلالها جلب الانتباه وتأكيد الحضور.
هناك ملاحظة هامة وجب الانتباه أليها: في كثير من الحالات نجد الأب يعتقد أن تلبية حاجيات الابن من إعداد المشرب والمأكل والملبس من مهام الأم وحدها, وقد تكرس الأم هذا الموقف بدافع الخوف الشديد على ابنها. فتبعد الزوج عن ابنه مما يحول بناء علاقة سوية معه.إن المشاركة ضرورية, فهي دليل اهتمام بالأم أولا ورسالة حب للابن ثانيا.أما علاقة الآباء بأقربائهم فالاستماع للنصائح مهم, لكن يبقى للآباء وحدهم حرية اتخاذ القرار في أي موقف تربوي.
الفصل الثاني:جوانب النمو المختلفة
1. فكرة الولد عن نفسه:
بعد تعرف الطفل على العالم الخارجي بما فيه أبواه فإنه يكون في حاجة للتعرف عن نفسه, ويبقى للوالدين الدور الكبير في هذه المهمة, فمن خلال التعامل معه تتحدد صورته عن نفسه, فأسلوب جيد في المعاملة يفهم الطفل قيمة ذاته, أما إذا كان أسلوبا جاف فسيولد شعورا وانطباعا سلبيا عن ذاته, مما قد يؤدي إلى التمرد واستعمال العنف لجلب الانتباه, أو يؤدي إلى القبول بالسلبية ومن تم الحزن والكآبة.
2. النمو العاطفي:
كثيرا ما نهتم بنمو أجساد أبنائنا,في المقابل لاتلقى العاطفة نفس الاهتمام, وذلك بسبب جهلنا أو عدم قدرتنا على معرفة حالة الطفل النفسية. لذا معرفة أسلوب حياته في الطعام, النوم, المرض, العلاقات الاجتماعية, الدراسة... تكشف لنا عن طبيعة نموه العاطفي. كما أن للمناخ العام المحيط به ,كعلاقة الأبوين فيما بيتهما, وعواطف كل واحد منهما اتجاهه, وطبائعهما ومواقفهما في قضايا الحياة اليومية, له أثر على نمو عاطفته.
وحتى نضمن صحة عاطفية سليمة وجب على الآباء ما يلي:
- الفهم: فهم حاجياته من الحب والأمان والاهتمام, والقبول به دون شرط. ثم فهم اختياراته واحترامها.
- المشاركة: في الحياة الأسرية سواء قرارات تتخذ أو أعمال تنجز, أو في الحياة الخاصة للأب أو الأم بما في ذلك الحياة المهنية والتجربة الشخصية.
- المساعدة: في الاعتماد على الذات أو المساعدة في التعلم الدراسي.
3. الاستمرار ونمو الحب والثقة:
تعتبر السنوات الأولى من السنوات التي تبنى فيها علاقة الحب بين الابن ووالديه وتنمو الثقة بينهما, هذه الأخيرة تكون معبرا لتشييد الثقة بين الطفل والمجتمع. ومما يزرع المزيد من الثقة هو الاستقرار وفق معيار واحد في التعامل مع الابن, نظام واحد نسبيا داخل الأسرة يمنح الطفل مزاجا عاطفيا أكثر استقرارا, ويساعده على فهم العالم واستيعابه وفق قواعد يمكن الرجوع إليها, فيدرك أن الحب والرعاية الموجهة إليه ثابتة ولن تتغير, وان تصرفات الناس يطبعها شيء من التباث يمكن فهمه, وأن مهماته تابثة عليه القيام بها.
4 .الخوف:
إذا كان الخوف عبارة عن ردة فعل طبيعية لما يصعب علينا فهمه, أو يصعب علينا مواجهته ودفعه عن أنفسنا, فمن الطبيعي أن نجد الطفل يقول إنه يحس بالخوف.وحتى يدرك الآباء هذه الصورة, عليهم أن ينظروا للموضوع من زاوية الطفل, فالكبار عمالقة أمام عينه, فما بالك إن صرخوا, وخاصة إذا صدر هذا الصراخ من والديه اللذان يحبهما. إنهما مصدر الحماية لجسده الصغير وملاذ أمانه, ماذا يكون شعوره إذا هددته أمه بتركه لوحده؟ ماذا عن الصور والمشاهد والمواقف التي يمكن أن يتعرض لها يوميا؟ . كلها أمور تحدث له قلقا. وتكون مصدر لخيالات ذهنية تسبب حالة خوف.
لا ينفع نفي مشاعر الخوف عن الطفل, لأن ذلك يجعله في شك من مشاعره, بل من الواجب الاعتراف بها, وفهم أسباب حدوثها, حتى نساعده على التكيف معها, فينظر للخوف على أنه سمة بشرية طبيعية, وأن هناك عناصر قوة في الموضوع تبدد مخاوفه, لابد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين الخوف الطبيعي والرهاب, هذا الأخير ردة فعل خوف اتجاه أشياء ومواقف تبدو عادية ( قفاز, مصعد...). إنه نتاج ربط هذا الشيء بمخاطر وتصورات مزعجة. قد يكون التقدم في السن جزء من العلاج, وقد تحتاج لإعادة ربط هذا الشيء بمشاعر مريحة جديدة تجعل الطفل يبدد تلك المخاطر المتراكمة منذ أمد.
5- نمو اللغة:
اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب فقط وإنما هي جزء حيوي وأساسي من الهوية الذاتية فكيف تنمو هذه اللغة عند الأطفال؟
تبدأ المرحلة الأولى من الشهر الأول بالتصويت: أيإصدا ر أصوات مختلفة يشترك فيها كل الأطفال بغض النظر عن لغة آبائهم, وتتطلب هذه المرحلة الكثير من التجاوب معه من لدن الآباء, فحديثهما في حضوره أو حديثهما إليه سيساعده التحكم في مخارج الحروف. وتمتد هذه المرحلة ثمانية أشهر تتوج بكلمة من مثل "ماما" أو" بابا".تمثل متعة له في النطق وحلاوة في الاستماع .
قد تتأخر المرحلة من طفل لطفل لكن بدون قلق سيتجاوز مرحلته هتة. بعدها يجد الطفل نفسه يتلفظ بالكلمات, حيث استطاع أن يحتفظ بالأصوات التي تتوافق مع أصوات الآباء, ويترك الأخرى. إنها عملية معقدة, أساسها التعلم, الخطأ فيها وارد بسبب الاستماع لنطق خاطئ أو حنينا إلى الأصوات الأولى, لكنها مجرد مرحلة عابرة قد تعبر عن احتياج نفسي, على الآباء الانتباه إليه.
ومما يجدر الإشارة إليه هو أن هذه المرحلة عند الطفل ستكون مصحوبة بتغيرات, على الآباء أن يعوا طبيعتها, ويساعدوا الطفل على تخطي كل المعيقات التي تعترضه,فأول انطباع للآباء على أبنائهم أنهم ضوضائيون, لكنها حالة طبيعية يعيشها الطفل, لقد اكتشف ذاته من جديد, فمقدرته على إصدار الصوت متعة لن يتوقف عنها. فكثرة كلامه إما دليل على رغبته في التعبير عن مشاعره, علينا أن نكون مستعدين لتقبلها, بدل أن يلجئ إلى وسائل أخرى للتعيير كالتخريب لحظة الغضب. وقد تكون الضوضاء دليلا على حب الإختلاط والمشاركة, فلنقبل بمشاركتنا له في الصغر حتما سيقبل بمشاركته لنا في الكبر.
فالكلام مع الطفل وسيلة لنمو لغة سليمة عنده, خطابا أو كتابة. وطريق لتمرين الذهن على التفكير, والأذن على الاستماع.وقد يحتار الآباء في موضوع تعلم لغة واحدة أم لغتين في الصغر. فالأمر مرتبط بطبيعة الطفل وقدراته, وإليها ترجع مسألة الاختيار. لكن من الضروري حصول اتفاق مشترك بين الأبوين أولا ثم إتقان اللغة الأم ثانيا وتوفير مناخ لترسيخ ثقافتهما عن طريق اللغة المختارة.
6- نمو الذكاء:
إذا كان الذكاء هو قدرة الإنسان على رؤية العلاقات بين الأشياء واستعمالها لحل المشكلات, فهذا دليل على أن هذه القدرة بإمكان تعلمها. فالإستسلام لفكرة أن الذكاء يورث تلغي إمكانية البيئة في مساعدة الطفل على تطوير ذكائه. وهذه وظيفة الأبوين في إتاحة هذه الفرصة حتى ينال ثقته بنفسه. فالحوار وحرية التعبير, وتجنب اللوم عند الخطأ, والتشجيع سبيل لتعلم جيد وتكوين متين.
7. النمو الأخلاقي والديني:
تمثل السنوات الأولى مناسبة لتعلم الطفل مفاهيم الخطأ والصواب, إلا أن هذه المعاني قد توظف بما يتناسب مع رغبات الآباء, فكل ما يرضيهم هو صواب وكل ما يزعجهم فهو خطأ. ويزداد الخلط عندما تضفي على المسألة الصبغة الدينية: حلال, حرام. فيصبح مجرد إحداث الضوضاء إحساس بالذنب.لذا على الآباء الوعي بضرورة التمييز بين الأمور التي تمثل الحلال والحرام وأمور أخرى تدخل في دائرة التقدير الذاتي للفرد.
*اللطف:
يعتبر اللطف والرفق من الأمور الهامة في سير الحياة الإجتماعية, ولترسيخه عند الطفل سلوكا وممارسة, وجب التركيز على ضرورة التفكير والإحساس الصادق اتجاه الآخرين مما يدفع للتعامل بلطف. كما أن المحيط الغني بالكلام وسلوكيات اللطف حتما سيؤثر في هذا الصغير.إلا أنه من الواجب التمييز بين اللطف والخضوع عند الطفل وحدود كل واحدة, وهذه مهمة الآباء.
*الصدق والكذب:
للخيال دور كبير في تطوير إدراك الطفل, إلا أنه يتخذ بين الثالثة والرابعة شدة وقوة يصعب على الطفل التمييز بين الواقع والخيال, مما يخلق حالة تخوف عند الآباء, إذ يعتبرون الطفل كثير الكذب إزاء أحداث وقعت. إن الأمر يتطلب تفهما أكبر بعيدا عن إجراءات عقابية, قد تحول الخيال من مجرد تعبير عن حاجات نفسية إلى سلوك جيد للهروب من العقاب.إن الحوار الهادئ والذكي ضرورة ملحة لاستيعاب المعاني النفسية لخيالات الطفل, وأداة سحرية لتشجيعه في الحديث عن الحقيقة بمنطق بعيد عن الاستجوابات البوليسية.
تعتبر المرحلة بين الخامسة والحادية عشر من المراحل التي تعرف تغيرا واضحا في المسألة الأخلاقية عند الطفل, ومرد ذلك إلى اتساع إدراكه ونضجه الفكري, مما يمنحه قدرة على المقارنة والتمييز في تحديد الصواب والخطأ. لقد تخلى عن هاجس التقدير الذي كان دائما يسعى إليه, ودافعا للالتزام برأي الآخرين. كما أن اتساع المحيط أصبح يلمس فيه اختلاف تقدير الناس للصواب والخطأ, بما في ذلك مدرسته وما تحمل من متغيرات قد تناقض الأسرة, وتفرض عليه تعاملا خاصا. أمام هذه المستجدات كان لابد للطفل أن يتسلح بأرضية صلبة في المنزل, الأمن و التقدير والقيم. إضافة إلى تواصل حقيقي مع أبويه أساسه الاستماع الجيد, يتم عبره .
أما التربية الدينية فالأساس في تلقينها ثلاث قواعد: تطابق يين القول والفعل, تعليم المقاصد الدينية بمعانيها ومقاصدها, امتداد جسور الثقة بين الابن والآباء في الممارسة التعبدية.
8. النمو الجنسي:
إذا كان الحديث عن النمو الجنسي مباشرة أو من خلال النمو الجسدي من المحرمات الأسرية التي لا يجوز الخوض فيها, فإن الابن يكون عرضة لأفكار خاطئة, من خلال مواقف الآباء التي يلاحظها ( لا تقرب ذلك الجزء من الجسد), أو من خلال خرافات الأصدقاء التي يتداو لونها. فيعتقد الطفل أن الموضوع لا يجوز الحديث فيه. ويبقى الصراع مسيطرا عليه, لا يجد من يقدم إليه النصح والتوجيه في مرحلة هو في أمس الحاجة إليها. فأحسن أسلوب للتعاطي مع الموضوع هو توعية الطفل بالمعلومة الصحيحة حول الجنس, وتشجيعه على الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية فيصبح الدافع الجنسي في تصوره جزء طبيعي من حياة الإنسان يحق الاستمتاع به في إطار الضوابط الأخلاقية.
"كيف نولد؟ ومن أين؟ " أسئلة من حق الطفل أن يطرحها, ومن واجب الآباء أن يقدموا الجواب بالبساطة والصحة دون التعقيد العلمي. والوقوف عندما يقف عن السؤال, حتى نعطيه انطباعا إن الأمور الجنسية أمرا طبيعيا وليس عيبا. إنها فرصة لتعلم الصراحة والانفتاح مع الوالدين في مثل هذه المواضيع.
أما لمس الأعضاء التناسلية فهو طبيعي بين الثالثة والرابعة, فالتعامل بغضب وقلق من طرف الآباء لا يفيد بل وجب الانتباه إلى أن هناك حالة نفسية عند الطفل ( حرمان, صعوبات...) لا بد من معالجتها.
يخترع الأطفال ألعابا يتم من خلالها اكتشاف أجساد بعضهم البعض, سرعان ما ينتهي الأمر بمجرد الاكتشاف, لكن هذا يستدعي الانتباه دون إحداث قلق مثير للأطفال, خاصة في لعب تتفاوت فيه الأعمار بشكل بين. لذا على الآباء ترسيخ قيمة الجسد عند أطفالهم, وأنه لا يحق لأي كان أن يمسه, إنه ملك له لوحده.
قد يباغت الطفل أبواه وهو في حالة عري تام, يتطلب الأمر تدخل هادئ وطبيعي حتى لا يكتشف الطفل أن أسلوبه هذا جيد لاستفزاز الكبار. مع الكبر في السن يميل الطفل للاختفاء عند تغيير ملابسه, فتكون مناسبة لترسيخ معنى الحياء الذي يمثل قيمة رمزية عن ذاته وقبوله إياها. وبين النزوع للتخفي الكامل أو العري الكامل يضع الآباء ضوابط لإحداث توازن بين الأمرين.
9. النمو الاجتماعي:
أ. العلاقة بين الإخوة والأخوات:
يتجه الأبناء داخل المنزل الواحد لإثارة نزاعات مختلفة بحكم اقترابهم في السن وامتلاكهم أمور مشتركة, أو بسبب اختلافهم في السن واختلاف وجهة نظرهم. مما يخلق انزعاجا عند الآباء وخيبة أملهم في أسلوبهم التربوي. إن النزاع في حقيقة الأمر ليس كله ضار, ففيه يتم تفريغ طاقاتهم وفيهم يتم التعارف أكثر بينهم, وتتأكد استقلالية كل واحد منهم. إنها تجربة غنية يتذوق فيها مشاعر النصر والهزيمة, وكفاءة حل المشاكل وإبداع الحلول, فالتدخل الدائم من طرف اللآباء يمنع من إغناء هذه التجربة ويحول دون علاقة سليمة.
ولكي يكون التدخل مفيد وجب التقييد بما يلي:
- أن يكون التدخل سريعا حالة مشاجرة قد تلحق أذى مادي بأحد الأطراف.
- التدخل للفصل في النزاع يكون بالاستماع لكل طرف, لكي يعبر عن مشاعره في جو من العدل والحياد مما, يتيح تعلم الحوار والهدوء.
-ويكون التركيز على تحسين العلاقة أكثر من التركيز على العقاب, كما يجب تجنب المقارنة التي قد تؤدي إلى العناد والغيظ. بل وجب تقبل الأطفال كما هم.
أما عندما يكون فارق السن كبيرا فلا يفيد التدخل لصغير السن نتيجة ضعفه, بل يجب مساعدة كل واحد منهما على فهم وجهة نظر الآخر: فعلى الكبير مسؤولية رعاية الصغير, وعلى هذا الأخير احترام من هم أكبر منه سنا.
ب. العلاقة مع الأقرباء:
لا يريد الطفل أن تكون علاقته مع احد أقربائه مبنية على توجيهات وأوامر الآباء , تجعله يحس بتكلف. ويبقى للآباء دور في تشجيع كل أطراف الأسرة لتقبل هذا الطفل. لكن قد يقلق الآباء شأن كل علاقة تبعد طفلهم عنهم. وهذا يفترض تعاملا ناضجا سواء في التعبير بشكل مباشر لهذا القريب عن هذه المشاعر, حتى يتفهم الأمر. أو إشراك الابن في أنشطة تقربه بهم أكثر لتجاوز المشكل.
ج. العلاقة مع الأصدقاء:
تكون أولى العلاقات التي يقيمها الطفل قصيرة الآجال, بتقدمه في السن تصبح هذه الصداقة ذات أمد طويل, إنها فرصة يتيحها الآباء للأبناء لتجريب اختياراتهم. إلا أن هذا لا ينفي أن اختيار موقع المنزل أو المدرسة يمكن أن يحسن من اختيارات الأبناء. قد يربط الطفل صداقة مع من هم أكبر منه سنا, هذا يدل على نضج في السن, إلا أن هناك تخوف من إحساس الطفل بالنقص أمامهم, حيث يبذل جهدا في بتجاوز إمكانات سنه لنيل رضى أصدقائه, إن انتباه الآباء لهذا الأمر يجعل تدخلهم ضروري للتوضيح أو لتجنب تعرض طفلهم للاستغلال.
أما إن كانت علاقته مع من هم أصغر منه سنا, فقد يكون ذلك دليلا على إحساسه بنقص مع قرنائه في السن, مما يفوت عليه فرصة النمو المناسب لعمره, فتعامل الآباء في هذه الحالة يكون بإثارة اهتمامات الطفل قد لا توجد عند أصدقائه الصغار, وتوفير مناخ حقيقي له.
بعد اختيار الطفل لأصدقائه, ترحيب الآباء بهم ضروري, إنه دعم استقلالية الطفل في الاختيار. قد تحدث أخطاء من الطفل أو من أصدقائه أمام أبويه, يتطلب الأمر تصرفا حكيما بعيدا عن التعنيف وقريبا للتفاهم, حتى لا يتخذ الأصدقاء مواقف يتضرر منها ابنهم. لا يمنع كل هذا من عدم حدوث هزات أو انقطاع في العلاقة, حيث يصاب الطفل على إثرها بخيبة أو غضب, تزداد الحالة صعوبة عند الفتيات. ويكون الأسلوب الأمثل هو تشجيع الطفل للتعبير عن مشاعره حتى يتجاوز الحدث.
العلاقة بين الجنسين تكون عفوية قبل التاسعة, حيث يميل كل واحد إلى بني جنسه, وتجدر الإشارة إلى توخي الحذر من إثارة ذهن الطفل بموضوع العلاقة مع الجنس الآخر ما دامت الضوابط الأخلاقية واضحة داخل الأسرة.
10. اللعب:
لا يدرك الطفل أن اللعب مدرسة يتعلم فيها, بل ما يدركه جيدا أن اللعب متعة لا يمكن التخلي عنها, أما الآباء فاللعب فرصة للتعرف عن طبيعة الطفل ( مشاعر, تفكير...) ومراحل تطوره.
في مقتبل عمره يبدأ الطفل بألعاب متعددة تتناسب مع مرحلة نموه, لينتهي بألعاب خاصة يتقنها جيدا, الأدوات اليومية لعب تغني الخيال, والألعاب المدرسية لها من الأهمية, لكن سرعان ما يمل منها. فليحذر الآباء من إكراهه عليها, وتبقى اللعبة الناجحة تلك التي تتميز ب: الإثارة, فسحة الخيال, البساطة, بها لغز, تعلم مهارة ما. هناك ألعاب اجتماعية لا تمارس إلا في إطار مجموعة أطفال, إنه اللعب الاجتماعي يظهر عند الطفل في الرابعة,وهو فرصة لتعلم: المشاركة, الدور, التعبير عن الذات, التخلي عن الأنانية, الثقة بالنفس. إنها تجربة لاختبار المشاعر والانفعالات وأسلوب حل المشاكل. من كل هذا يبدو أن تدخل الآباء في كل لحظة غير ضروري إلا في حالة اضطرارية وعاجلة.
الفصل الثالث:مشكلات في الطفولة الأولى
1. الذهاب للسرير:
عادة ما يرفض الطفل الذهاب للنوم, بالنسبة له فذلك حرمان من متعة الحياة والمرح. مما يخلق مشكلة عند الآباء وخاصة الأم.
لذا على الأم إلا تجعل الذهاب للنوم أداة للعقاب كلما أغضبها طفلها, بل تحاول أن تجعل السرير متعة له, ينتظره بفارغ الصبر. فغرفة نوم تستجيب لاختياراته: لعب يحبها, ضوء يستريح له, صور وحكايات مشوقة تنتظره على السرير.... أمور تساعد على النوم. كما يستحب للأم أن تذكر مبكرا ابنها بموعد النوم كإعداد نفسي, مع التزام جاد بهذا الموعد دون التراجع عنه. حتى وإن لم ينم فعليه أن يكون في غرفته في الوقت المحدد بعد إشباع كل حاجاته المادية والعاطفية.
2. التغذية ومشكل تناول الطعام:
عندما يرفض الابن الطعام, تصاب الأم بقلق خوفا على حالته الصحية. الأمر الذي يحول لحظة الإطعام إلى حلبة صراع وتوتر, بين إلحاح الأم ورفض الطفل, يرتبط إذن الطعام بأجواء متشنجة مما يعقد الوضع أكثر.
وجب الإشارة أن بين الأطفال فروقا في كمية حاجاتهم الغذائية, فقلة الطعام لا تبعث دائما على القلق ما دامت تقيم جسده للحركة والفعل, وقد تكون حساسية الأطفال لمذاق الطعام سبب في رفضهم الكثير منه.
على الأم تكون قدوة لابنها في الأكل, فتأكل نصيبها ثم تشاركه نصيبه. فإن رفض فالأحسن تجنب التشنجات, بعد مدة سيطلب الطفل الأكل: إنها فرصة للتعلم دون تعنيف أن للأكل نظام وجب إتباعه حتى يشبع كل حاجاته الغذائية. وقد تستغل الأم لحظة الجوع عند الطفل لتقدم له المفيد من الطعام لجسمه. ويحبذ لها أن تجنبه السكريات التي قد تستعملها إغراءا مقابل قيامه بعمل ما, فالأفضل توزيع الحلويات في أوقات لا تؤثر على وجبات الطعام.
3. التدرب على الحمام:
موضوع التدريب على الحمام يشكل حرج اجتماعي وحلبة صراع بين الطفل وأمه, فكيف هي نظرة الطفل للموضوع؟
لقد اعتاد الطفل أن يستجيب لحاجته الجسدية ( تغوط, تبول ) بشكل طبيعي في أي زمان أو مكان ودون معارضة, وبين عشية وضحاها يتغير الوضع بشكل فجائي لم يفهمه ولم يستوعبه, ويوضع على المبولة إجباريا, يرى ابتهاجا من والديه لحظة ويتلقى صفعة في لحظة أحرى. هكذا يبدو الموضوع للطفل فأمه تريد أن يسرع ابنها للحصول على الجفاف, وهو لا يفهم ذلك, تشنج يحدث بينهما مما يخلق حالة نفسية لا يسمح للطفل بالتحكم في أمعائه أو عضلات مثانته, فيحس على إثر ذلك بذنب عظيم. وقد يتطور الأمر مع الطفل العنيد. فما العمل إذن؟
أول شرط هو أن يتم المحافظة على الهدوء وتجنب أي توتر نفسي. فللتدريب على التغوط تسعى الأم لخلق نظام في الموضوع في سن مبكرة ( السنة الأولى ), فبعد كل طعام تضعه على المبولة ليستمتع بحديث أمه إليه, ومع الوقت يحصل ربط بين الجلوس والتغوط والمتعة, لكن هذا لا يمنع من استمرار التغوط في المنشفة, ومع تعلمه الكلام, تحمله أمه بأسلوب مشجع على مناداتها لحظة الرغبة في التغوط.
أما في ما يخص التبول: فضبط التحكم في عضلات المثانة يتأخر عند الطفل. فيقترن التبول بالتغوط على المبولة ويكون منفردا في الملابس, لذا على الأم أن تجعل المبولة في متناول اليد بطلب منه أو من طرفها بعد كل ساعتين, وهكذا بإمكانها التخلي عن المنشفة داخل المنزل, لكن مع اتخاذ حالة طوارئ دائمة.
التبول الليلي يكون بسبب كثرة السوائل أو البرد, وقد يكون علامة على قلق ما عند الطفل, فلتحذر الأم تضخيم الموضوع, ويستحسن أن تسرع للذهاب بالطفل إلى الحمام قبل أن يستيقظ هو بنفسه. ويمكن استشارة الطبيب إذا استفحل الأمر.
الفصل الرابع: جوانب من فن التربية
1. فهم دوافع السلوك:
عندما يشعر الطفل بصعوبات في حياته ومشاعر سلبية. يلجأ لطرق معينة للتعبير دون وعي منه. حيث يلجأ لجذب انتباه والديه بسلوك خاطئ ولو أدى الأمر لعقوبته, أو عبر إظهار العجز أمامهما. ويتطلب الموقف عدم الاستجابة حتى لا يتكرس السلوك, بل وجب البحث عن إنجازات الطفل وتشجيعه عليها, حتى يتعلم أن هناك طرقا سليمة لجذب الانتباه.
قد يلجأ الطفل للصراع على السلطة من خلال عناده وعدم رضوخه لطلب أبويه. ويكون المفيد هو انسحاب الأبوين وتأجيل النقاش لوقت آخر. أما إن سلك الانتقام كردة فعل على سحب السلطة من يده, عن طريق إيلام أبويه عاطفيا, فلا ينفع معه الأسلوب المضاد.
وقد يسلك الطفل أسلوب خاطئ لنيل تقدير الأصدقاء وإبهارهم, لذا رغم عدم رضى الأهل وجب تجنب تقريعه أمام أصدقائه,في المقابل اختيار الوقت والجو الملائم للتأنيب.
2.التشجيع:
هناك قاعدة تربوية تقول: ( السلوك الذي ينتبه إليه يتكرر, والذي لا ينتبه إليه يزول )
يبدو أن ثقافة مجتمعاتنا تركز على أخطاء الطفل, وتتخذ قرارات عوضا عنه, ويقارن به مع أطفال آخرين, ويتوقع منه أن يكون مثاليا في كل شيء, ويتعامل معه بمعيارين: فقد نطلب منه أمرا ونحن لا نفعله. بهته الممارسات تهتز نفسيته ويقتنع أنه لا يصلح لشيء.
نحن في حاجة إلى تحويل انتباهنا لكل ما هو إيجابي وحسن عند الطفل. فتجاهلنا للسلوك الخطأ أسلوب جيد لتصحيحه, وإن اضطررنا للتدخل فوجب التوجه للفعل لا الفاعل, فهناك فرق بين أن تقول لطفك ( هذا عمل سيء ) أو( أنت طفل سيء).
إن تحويل الانتباه لذات الطفل إطراء ( أنت طفل ذكي ), وتحويله لفعل قام به الطفل هو تشجيع ( هذا عمل متقن ). وقد يستحسن التركيز على الفعل وترك المجال للطفل لبناء صورة عن ذاته انطلاقا من فعله, وسيكون من المفيد أن يتعلم هو بنفسه قيمة عمله دون انتظار الآخرين. وقد يتخذ التشجيع صور متعددة: عبارات مباشرة, تذكير بصعوبات تغلب عليها, تتبع تحسنه في عمل ما, منحه مهام جديدة دليل على ثقتنا به.
3. الاستماع والإصغاء:
لا يدرك الكثير من الآباء, أن عدم فهم مشاعر الطفل احد أسباب سوء التصرف, فتركيز الحديث معه على النصائح والتهديدات والتحقيقات وتقديم الحلول. يزيد من بعد الطفل عن والديه, فلا يرغب في الحديث معهما, لأنه لا احد يفهمه.ويعد الاستماع والإصغاء من أهم أدوات حل هذا المشكل, فاقتراب الآباء من الطفل, وتوجيه العاطفة إليه, والتفرغ له, عمل كلها تحسس الطفل انه مركز الاهتمام. بهذا يبدي الآباء استعدادا كاملا لتفهم مشاعره وخاصة لحظة انفعاله.
إن أسلوب الاستماع الفعال, يقوم على أساس التأكيد للطفل أنك تشعر بما يشعر, وذلك عن طريق إعادة ما تسمعه منه, فكلماتك تصف بها مشاعره. فصدق الوصف يشعره مشاركتك لأحاسيسه, وبهذا يضمن الآباء الاستمرارية في الحوار لإدراك خلفيات هذه المشاعر.
4. تحمل المسؤولية:
الآباء الطيبون يقومون بكل شيء نيابة عن أطفالهم, وتكون النتيجة أبناء لا يدركون معنى الحياة, غير مبالين, يتكلون على الغير. فيصاب الآباء بخيبة في تربيتهم لأبنائهم. إن التربية على تحمل المسؤولية تفرض إعادة النظر في الأفكار والتوقعات والمواقف عند الآباء الطيبين.
أما الآباء المسؤولون فهم غير متسلطين, يمنحون الثقة للطفل لتحمل مسؤولية عمل يليق بمستوى سنه, التدرج في تحمل المسؤولية ضروري, والدعم والتشجيع المصاحب لها أكيد, والمحاولة مفيدة لتجريب الاختيارات, والحق في الخطأ مشروع, وبالحوار وتبادل الآراء بعيدا عن أسلوب الأوامر الرسمية نمنح الطفل فرصة للتعلم, فيحس الطفل بأن عمله هذا ( ارتداء ملابس, إيقاظ نفسه من النوم... ) من الأعمال الهامة.
هكذا يخرج الطفل من السلبية إلى المبادرة, ويتخلص من قيد التلفاز وألعاب الكومبيوتر, فيتعلم المساعدة المنزلية ويمنح المنزل الهدوء وراحة. وعلى كل حال يبقى الآباء قدوة لأبنائهم في تعلم معنى تحمل المسؤولية.
5. الحديث عن المشكلات وحلها:
عند وجود مشكلة بين الآباء والطفل, هناك طريقتان للتصرف, فمعرفة من هو صاحب المشكل, بمعنى من يتضرر من نتائج سلوك الطفل, هل الآباء أم الطفل, فإذا كان الآباء هم أصحاب المشكل, فيكون اللجوء للحديث عن طريق التعبير الذاتي لمشاعرهم أحسن وسيلة لتنبيه الطفل بخطأ سلوكه, فعبارة ( أنا أشعر بحسرة عندما فعلت... ) أفضل من عبارة ( أنت فعلت... ) إنه الربط بين المشاعر ونتائج الفعل.
أما إذا كان الطفل هو صاحب المشكل وهو يعاني من نتائج سلوكه, فاستمع إليه بفعالية لطبيعة مشكلته, ثم أعنه على وضع لائحة من الحلول الممكنة بمنحه فرصة للتفكير, وساعده على اختيار الحل الممكن بنفسه ليتحمل المسؤولية, ثم تحديد وقت زمني لتنفيذ الحل والجلوس مرة أخرى للتقييم.
6. العقاب:
على كل من الأبوين أن يتساءلا لماذا يعاقبا طفلهما؟ هل على فعل اقترفه أم لمنعه من آخر يريد أن يفعله, أم تعبيرا عن مشاعر غضب اجتاحتهما؟
إن العقاب يجب أن يتضح في ذهن الآباء أنه وسيلة لتحسين سلوك الطفل. فهناك وسائل عقابية متعددة ذات طبيعة سلوكية كالضرب, الحرمان... أو قولبة: تهديده بسحب حبك له, نقد مستمر واستهزاء... فبقدر ما تكون لهذه الوسائل من أثار آنية فقد تخفي جروح عميقة تختلف من طفل لآخر: صحية ( الضرب ) ونفسية ( الخوف ) .في المقابل هناك وسائل تبدو أكثر فاعلية وأقل تأثيرا سلبيا على الطفل:
- عدم استحسان السلوك: فتعبير الأبوين عن عدم ارتياحهم لسلوك الابن يكون فرصة لمساعدته على التفكير في سبب سلوكه هذا وتغييره.
- العقاب بالنتائج: فعلى الطفل أن يتحمل نتائج سلوكه الطبيعية, فيتعلم ضرورة تنظيم أدواته المدرسية حتى لا تضيع منه مرة أخرى.
- الجلوس في مكان دون حراك لدقائق معدودة أمام أعين والديه فذلك يخالف طبيعته الحركية, وهي مناسبة لمنحه وقتا للتفكير في سلوكه الذي أتى به, وللآباء وقت لتهدئة توترهم.
وحتى يكون العقاب مناسبا لابد من عدم التسرع فعقاب بسيط وبه حزم, خير من عقاب شديد به تردد, وسلطة تمرر بصوت هادئ خير من صراخ عابر.
الفصل الخامس:المراهقة وخصوصياتها
1. التغيرات عند المراهق:
تعتبر مرحلة المراهقة مرحلة سريعة النضج على المستوى الجسمي, النفسي... سمتها الأساسية شدة انفعال المراهق واتجاهه نحو البحث عن الاستقلالية والهوية الذاتية. و مما لا شك فيه أن أسلوب التعامل في الطفولة الأولى سينعكس على هذه المرحلة, كما يجب الوعي بضرورة تجديد قواعد في التربية عوض القواعد الأولى.
فعلى المستوى الجسدي: يظهر تغير ملحوظ عند الطفل في البنية ( اشتداد العضلات, تضخم الصوت,... عند الفتى. ظهور الثديين, اتساع الحوض..., عند الفتاة ) تغيرات تحدث له حالة إزعاج فنموه السريع قد يجعله كثير الاصطدام بما حوله.
على مستوى التفكير: تعد المفاهيم المجردة كالعدل, الحب والإيمان من الأمور التي يشتغل عليها فكر المراهق, وتكون مصدر تقييمه ونقده للواقع. رغبته في التغيير كبيرة رغم ما قد يتناقض به مع نفسه في الممارسة. إن استيعاب هذه الأفكار يتطلب التسلح بالحوار واحترام أفكار الطرفين دون تعصب, وأن نعلم أن المراهق في حاجة لإثبات ذاته فلنمنحه إذن هذه الفرصة.
على المستوى النفسي: المراهق مرهف الإحساس, سريع الانفعال وقد يعزو ذلك للتغيرات الفيزيولوجية, فتظهر حالات نفسية عنده وجب أن تهتم بها:
- قلق بسبب تغير مظهره الجسدي: علينا إذن تفهم تخوفاته, ثم محاولة تغيير نظرته للموضوع باعتبار أن التغير الجسدي حالة طبيعية, وأن الناس لن يلاحظوا ما يلاحظه هو عن نفسه.
- الخجل: فنجد المراهق يميل إلى الانطواء وعدم القدرة على مخالطة الناس ومواجهتهم, إنه لا يعرف طبيعته, وبالتالي فمواجهته بها خطا تربوي فادح. ويكون من الأجدر تشجيعه على تحمل مسؤوليات تكون سبيلا لاكتشاف شخصيته.
- التردد وعدم الثقة: قد يرجع الأمر إلى تقدير سيء عن الذات, فيكون العلاج تشجيعه أو مساعدته على تخيل مواقف, ثم التفكير في أسلوب التعاطي معها بما يطلبه الموقف من جرأة في القول أو الفعل.
2. أسئلة وأجوبة:
أ. ماذا أفعل مع ابن لي مراهق لا بريد القيام بعمل أطلبه منه رغم بساطته؟
الصعوبة عند ابنك انفعالية وعاطفية أكثر مما هي عضلية, فلا تعمدي إلى الإصرار. فسبب الرفض عنده قد يكون تناقض حاد بين الحاجة إلى الاستقلالية والإحساس بالذنب, أكدي له حقه في الاختيار تزول حالة العناد.
ب. هل يمكن دفع مال مقابل المساعدة المنزلية لأحد الأبناء؟
المساعدة المنزلية عمل مفيد, وله نتائج جيدة إن قدرنا في الطفل مجهوده وتركنا له المجال للتصرف. قد نقدم له مصروفا إن أقدم على المساعدة دون توقع الجزاء, وخاصة إذا علمنا أن له حاجات يريد اقتناؤها.
ت. ما رأيكم في عمل المراهق خارج المنزل؟
مفيد جدا للطفل هذا العمل وخاصة في العطل, فهو فرصة للاحتكاك بالناس ورؤية صعوبات الحياة وإكراهاتها. لكن لابد من الاتفاق مع الآباء على كل الأمور بجميع تفصيلاتها ( طبيعة العمل, أجواؤه, ... ).
ث. ابني مراهق فوضوي غير منظم ما العمل؟
إهمال المراهق يزيد من متاعب الأبوين, لذا يجب توعيته بهذه المتاعب وطلب مساعدته, فذلك له أثر كبير في نفسه. قد يكون له مكانه الخاص قد نسمح له فيه نوعا من الحرية والفوضى لكن في ما يتعلق بما هو مشترك بين جميع أفراد الأسرة فالواجب احترامه.
ج. دخلت إلى غرفة ابني فوجدت أن له أمرا يخفيه عني؟
إن لم يكن في الأمر ضرر فدعي الأمر في مكانه. أما إن كان به ضرر فمن الضروري فتح الموضوع والحديث معه بصراحة هادئة رغم صعوبة بعض المواضيع.
ح. أشتكي من طفلا يتأخر في الاستيقاظ؟
من الطبيعي أن تحتاج هذه المرحلة إلى نوم أكثر. الأساس في التعامل هو تحمل مسؤولية تأخرا ته.
خ. اعتاد ابني التأخر في الدخول إلى المنزل مساءا ماذا أفعل؟
المراهقة لا تعني النضج الكامل, فمسؤولية الأسرة تبقى حاضرة في تحديد أوقات الدخول في المساء. فمن حقك أن تعرف مع من سيكون وماذا سيفعل ومتى سيعود, اجعل أسئلتك أميل للمشاركة ( هل ستذهب إلى مكان ممتع؟ هل سيرافقك عمر؟... ). أما تحديد وقت العودة فالأفضل أن تسأله عن الوقت المناسب لذلك. فإن تأخر فاستمع إليه أولا ولأسبابه, وأكد له أن دافع سؤالك هو قلقك عليه حتى يتعود تقدير مشاعرك. أما إن تكرر الأمر فالحزم واتخاذ قرار منسجم مع هذا التأخر ضروري, حتى يتعلم تحمل مسؤولية أقوال قطعها على نفسه.
د. ما أهمية اللقاء الأسري على الأبناء؟
اللقاء الأسري هو لقاء منظم يهدف إلى تكوين احترام حقيقي بين أعضاء الأسرة الواحدة, فهو فضاء للمشاركة في اتخاذ القرار وتحمل نتائجه, وهو جسر لتمرير القيم الأخلاقية وتطبيقها, وحتى يكون له هذا النجاح وجب اتخاذ إجراءات تنظيمية: اختيار التوقيت, وتحديد المدة ووضع جدول أعمال فيه تقييم للقرارات السابقة ومدى تفعيلها, ومناقشة للمواضيع المستجدة.
إن وضع قواعد مرتبطة بأسلوب التسيير والحوار, وأسلوب حل المشاكل لضروري لضمان نجاح أكبر في مثل هذه اللقاءات.
من إنجاز المستشار في التوجيه : عادل