ismagi
racus

نظرية المعرفة Jean Piaget et Immanuel Kant

الاستاذ

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
نظرية المعرفة Jean Piaget et Immanuel Kant​
نستطيع أن نقول إنّ الميلاد «الرّسمي» لنظرية المعرفة كان مع ظهور المشروع الكانطي لنقد العقل.. ولا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نجد عند الفلاسفة السابقين على كانط بحوثا في المعرفة، كل ما نقصده هو أن السؤال المخصَّصَ لمبحث المعرفة سيظهر لأول مرة في تاريخ الفلسفة مع كانط. لقد أراد كانط أن يطرُق في الفلسفة وفي ميدانها النظري، أيْ خارج الأخلاق والجَمال، مشكلة واحدة هي مسألة المعرفة.. مشكل المعرفة هو ما يقابل في التاريخ الفلسفي مشكل الوجود ومشكل القيم، والمعروف أنّ ذلك المشكل يبحث في وسائل المعرفة وتحديد الموضوعات التي تنطبق عليها تلك الوسائل لتقويم المعرفة وتأسيسها.
إنّ كل إشكالية عامة تقوم حول تصور أساس يرتبط بها، فإذا كان ذلك التصور بالنسبة إلى المنطق مثلا هو الزوج: صورة -مادة، وبالنسبة إلى مبحث الأنطولوجيا هو الزوج: جوهر -عرض، فإنّ التصور الأساس للإشكالية العامة لنظرية المعرفة هو الزوج: ذات -موضوع. وقد حاولت كل نظرية من نظريات المعرفة أن تموقع المعرفة في علاقتها بهذا الزوج، بالرجوع إما إلى المنطق أو إلى السيكولوجيا أو إلى الانطولوجيا.. تتساءل نظرية المعرفة، إذن، عن إمكانية معرفة الذات للموضوع، وإن هي أثبتت تلك الإمكانية تبحث في أدواتها، ثم في حدودها ومدى صلاحيتها، إنها تبحث في طبيعة المعرفة ووسيلتها وقيمتها. فكيف تصورت هذه النظرية موضوعها «المعرفة»؟ وما هي حدود هذا التصور؟ ينقسم الفلاسفة في إطار نظرية المعرفة إلى اتجاهين أساسيين وسَمَا، بشكل كبير، تاريخ هذه النظرية:
الاتجاه الأول، يربط المعرفة بعوامل تتصل بالذات باعتبارها مصدرَ كل معرفة ممكنة، ويجد هذا الاتجاه جذوره في الفكر اليوناني، الذي رفع من قيمة الإنسان كذات واعية ومفكرة، كما نجد امتداداته مع عصر الأنوار، حيث سيشكل «مبدأ الذاتية» الأساسَ الفلسفي للحداثة، وحيث الذات المفكرة مركز الكون ومحددة لكل الأشياء من حولها، وهو الاتجاه الذي عُرف بالعقلاني، والذي جعل من العقل مصدر كل معرفة ممكنة، ويمكن أن ندرج في هذا الاتجاه كلا من ديكارت، ليبتز وتشو مسكي..
في مقابل هذا الاتجاه، يرى الاتجاه الثاني أصل المعارف الحقيقية خارج ذواتنا، وعلينا أن نبحث عنها في الموضوعات من حولنا، وهو الاتجاه الذي عُرف بالتجريبي، متأثرا بالفلسفة الوضعية، فالحقائق ينبغي اكتشافها عن طريق التجربة التي لا تركن إلى أوهام الذات وأفكارها المُسبَقة.

وبين هذين الاتجاهين يتموقع اتجاه ثالث حاول أن يُرجع أصل المعرفة إلى كلي طرفي الزوج: ذات -موضوع، وهو الاتجاه الذي يعتبر المعرفة انبناء ناتجا عن تفاعل الذات مع موضوع المعرفة، ولذلك سُمي الاتجاه البنائي، ورائده السويسري جان بياجي.. والحقيقة أنّ هناك من يعتبرون هذا الاتجاه امتدادا للمشروع الكانطي حول نظرية المعرفة في إطار ما سمي «النيو كانطية».. غير أنّ الحديث عن بياجي، في نظر كثير من الباحثين في مجال الإبستمولوجيا، حديث يدعو إلى إعادة النظر في ما كان يعرف بنظرية المعرفة، وفي نظرتها إلى المعرفة كموضوع للتفكير.. ترى، أيّ جديد حمله بياجي في هذا الصدد؟
لقد حاول بياجي أن يؤسس لنظرة جديدة إزاء المعرفة، نظرة حاولت البحث في الميكانيزم الفعليّ الذي يخضع له إنتاج المعارف، وهو الأمر الذي لم تبحث فيه نظرية المعرفة طوال تاريخها، ذلك أنّ هذه النظرية ظلت، قبل أبحاث بياجي، تتأمل من خارج الشروط القبلية التي تضمن إمكانية المعرفة، وأخذت تتحدث عن عملية المعرفة من خلال أسئلة لم تكن نابعة من صميم المعرفة ذاتها، فقسمت عناصرها إلى ذات عارفة، ثم موضوع معرفيّ، وهو التقسيم الذي اعتبره ألتوسير وهميا، لأنه تم من خارج المنطق الذي يحكم المعرفة، في هذا الصدد يقول ألتوسير: «نفترض هنا ذاتا وموضوعا وهميين يكون عليهما أن يأخذا الظروف الحقيقية والميكانيزمَ الفعليَّ لتاريخ إنتاج المعارف كي يخضعاهما لغايات دينية، أخلاقية وسياسية».
الأكيد أن بياجي سيفطن إلى ما نبّه إليه ألتوسير وسيحاول تجاوُز نظرية المعرفة التقليدية، باحثا في المنطق الذي يحكم المعرفة من الداخل في إطار نظرة سيكولوجية حول هذه المعرفة، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: إلى أي حد بقي بياجي نفسُه في مأمن من «الإيديولوجي»؟ كيف نفسّر رفضه إدخال كل ما هو «اجتماعي» في تفسير انبناء المعرفة وتشكلها؟ هل يرجع ذلك فقط إلى الميكانيزم الداخلي لهذه المعرفة؟ أم إنّ الأمر يعود إلى اعتبارات أخرى من خارجها، اعتبارات خضعت هي الأخرى لما هو إيديولوجيّ ارتبط باللحظة التاريخية التي أفرزت بياجي وأبحاثه حول المعرفة؟..
أسئلة من بين أخرى، كثيرة، ستطرحها تأملات لاحقة حول المعرفة وخباياها، خاصة مع رواد «التفكيكية»، في إطار تشريح جينيا لوجي للمعرفة سيكشف الغطاء عن تلك الخبايا ورهانات السلطة التي تحكمها، على حد تعبير ميشيل فوكو.
المصدر : خالد زروال مفتش تربويسبق وان تم نشر المقال في المساء التربوي​
 
عودة
أعلى