ismagi
racus

المواكبة في الوسط المدرسي : غموض في المفهوم والتباس في التنزيل عبد العزيز سنهجي

الاستاذ

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
المواكبة في الوسط المدرسي: غموض في المفهوم والتباس في التنزيل
عبدالعزيز سنهجي
abdleaziz-senihji-2024.jpg

ارتبط مفهوم المواكبة بظهور تحولات عالمية كبرى فرضتها العولمة، والذكاء الاصطناعي، والأزمات المتعددة، وما يصاحبها من غموض وعدم استقرار. في هذا السياق، برزت الحاجة إلى آليات تمكن المؤسسات والأفراد من تطوير جاهزيتهم للتعامل مع التعقيد والغموض الذي يميز هذه التحولات. إن المواكبة بهذا المعنى، ليست مجرد إجراء تقني او تكميلي، بل هي ضرورة تمليها الحاجة إلى دعم المؤسسات والأفراد في مواجهة مصائر غير مؤكدة، سواء كانوا في سياقات تربوية أو مهنية أو اجتماعية... إن المواكبة هنا، نشاط مهني وتدخل بيداغوجي مثقل بروح المسؤولية، ويخضع لاشتراطات علمية ومنهجية وأخلاقية، ويتطلب مواصفات نوعية، مهنية وإنسانية، يجدر أن يتحلى بها الشخص المواكِب. وفي هذا السياق، توضح الباحثة "مايلا بول" تصورا ثلاثيا لنماذج المواكبة: أولا، تعبئة الموارد لمواجهة الخلل الوظيفي عبر تبني العلاج الملائم. ثانيا، مساعدة الأفراد والمؤسسات على توليد الحلول المبتكرة من خلال الاتصال بمعطياتهم الداخلية والخارجية. ثالثا، إحداث تغيير جذري في وضع الفرد عبر تهيئة المناخ الملائم، وتحفيزه على الاشتغال على ذاته واكتشاف معان جديدة لما يقوم به.

في المغرب، اكتسب مفهوم المواكبة مكانة بارزة في إطار الإصلاح التربوي الذي تؤطره خارطة الطريق 2022-2026. فقد تم توظيفه في مختلف البرامج التحويلية، سواء تلك التي تسعى إلى تجريب النموذج الجديد للمدرسة المغربية أو التي تهدف إلى إحداث دينامية داخل المؤسسات التعليمية لحماية المبادرات المحلية وتهيئة الظروف المواتية لبناء نموذج مدرسة الجودة. حيث أضحى مفهوم المواكبة حاضرا في كل مستويات الفعل التربوي، فنجد المفتش المواكب، المتصرف المواكب، الأستاذ المواكب، المستشار المواكب، والمختص المواكب...، في إشارة إلى إيمان صناع القرار التربوي بأهمية المواكبة في تحقيق التحول المنشود. ومع ذلك، يثير هذا الانتشار الواسع تساؤلات حول حدود المفهوم وإمكانية الحفاظ على خصوصيته وسط هذا الزخم.

من جهة أخرى، فالمواكبة لم تعد مقتصرة على قطاع التعليم فحسب، بل امتدت إلى مجموعة القطاعات الوزارية الأخرى. يظهر ذلك بوضوح في برامج حكومية مثل "انطلاقة" لدعم المقاولات، و"المصاحبة الاجتماعية والمهنية" لإعادة إدماج السجناء، وبرامج "دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة" وبرنامج "الدعم والمواكبة" الخاصة بوزارة الاقتصاد والمالية، وبرنامج "دعم ومواكبة" المقاولات للوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصغرى والمتوسطة، وتجربة "مواكبة الأطفال المغادرين لمؤسسات الرعاية الاجتماعية" لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، وبرنامج "المساعدة الاجتماعية" في وزارة العدل، وبرنامج "مواكبة" في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. في المقابل، يطرح هذا الانتشار تحديا كبيرا يتعلق بكيفية مأسسة الجهود وضبط المفهوم بشكل يضمن توحيد الرؤية والمقاربات، ويضبط عدد الاشتغال، ويحول دون تحويله إلى مفهوم شامل يفتقر إلى الدقة والفعالية.

إن غموض المفهوم وتعدده، يحيلنا إلى إشكالية جوهرية: كيف يمكن ضمان توحيد المفاهيم والمقاربات والآليات دون الوقوع في فخ "المفهوم الجرافة"، الذي يحاول احتواء كل شيء ولا يعني شيئا محددا؟ فالمواكبة، في جوهرها، تسعى إلى تحسين أداء المؤسسات والأفراد وتعزيز توازنهم وسعادتهم من خلال مساعدتهم على تدبير علاقاتهم مع محيطهم التربوي والسيوسيواقتصادي والمهني. لكنها تحتاج إلى منهجيات واضحة وأدوات بيداغوجية مبتكرة تأخذ بعين الاعتبار تعقيد السياقات الراهنة التي تتسم بسيادة الرقمنة والمعرفة الذكية.
لقد أصبح مفهوم المواكبة جزءا من الخطاب الإصلاحي في مجالات متعددة، حيث يتم استخدامه كآلية شاملة لمرافقة المؤسسات والأفراد في مختلف مراحل تطور حياتهم. ومع ذلك، فإن التوسع في استخدامه أدى إلى تعدد معانيه، حيث يتم تفسيره أحيانا على أنه دعم، أو تدريب، أو توجيه، أو وساطة، او تكوين او إرشاد، او مساعدة... مما يساهم في خلق التباس حول جوهره. وفي ظل هذا التنوع، تبرز ضرورة التفكير في كيفية الحفاظ على خصوصية المفهوم، وضمان ألا يتحول إلى أداة فضفاضة تفقد فعاليتها في تحقيق الأهداف المرجوة.

مما لا شك فيه أن المواكبة تفتح آفاقا جديدة لتحسين الممارسات وتلبية الحاجات المتزايدة للأفراد والمؤسسات في سياقات مختلفة. لكنها تتطلب رؤية نقدية وتصورا متماسكا يضمن تكامل الجهود وتوجيهها نحو تحقيق أهداف واضحة ومستدامة. هنا تكمن التحديات الكبرى التي ينبغي مواجهتها لضمان نجاح هذا الورش الاستراتيجي. وبالرغم من الزخم الكبير في استخدام هذا المفهوم، لا تزال العديد من الأسئلة الملحة عالقة لحدود اليوم، من قبيل: ما المقصود بالمواكبة تحديدا؟ لماذا المواكبة؟ من سنواكب؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ وبأي أدوات؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تمثل شرطا أساسيا في تبديد الغموض، وتوجيه المواكبة بشكل يتناغم مع خلفياتها العلمية وضوابطها المنهجية واحترازاتها الأخلاقية. بذلك يمكن تأطير وتقعيد المواكبة بشكل يضمن فعاليتها وجدواها ليس فقط في الوسط المدرسي، ولكن في باقي الأوساط ودوائر الحياة.​

الرباط، 22 دجنبر 2024
عبدالعزيز سنهجي​
 
عودة
أعلى